تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٠٩
مطلقا لأن الشياطين هم الذين زينوا لهم هذه الشنيعة الشنعاء وأغروهم عليها فكيف يتأتى القول بأنهم غافلون حقيقة عنها أو أنهم غير مرتضين لها، ولعل من ذهب إلى ذلك يلتزم الكذب ويقول بجواز وقوعه يوم القيامة.
وقيل: إن القول الأول لا يصح مع هذا القول أيضا مطلقا لأن الأوثان لا تتصف بالغفلة حقيقة لأنها كما يفهم من القاموس اسم لترك الشيء وذهاب القلب عنه إلى غيره وهذا شأن ذوي القلوب والأوثان ليست من ذلك وكذا لا تتصف بها مجازا عن عدم الارتضاء إذ الظاهر أن مرادهم من عدم الاتضاء السخوط والكراهة وظاهر أن الأوثان لا تتصف بسخط ولا ارتضاء إذ هما تابعان للإدراك ولا إدراك لها ومن أثبته للجمادات حسب عالمها فالأمر عنده سهل ومن لا يثبته يقول: إنها مجاز عن عدم الشعور، وقد يقال: إن المراد بغفلتهم عن عبادة المشركين عدم طلبهم الاستعدادي لها ويرجع ذلك بالآخرة إلى نفي استحقاق العبادة عن أنفسهم وإثبات الظلم لعابديهم.
وحينئذ فالأظهر أن يراد بالشركاء جميع ما عبد من دون الله تعالى من ذوي العقول وغيرهم والكل صادق في قوله ذلك، وقد يراد من عدم الطلب ما يشمل عدم الطلب الحالي والقالي إذا اعتبر كون القائل ممن يصح نسبة ذلك له كالملائكة عليهم السلام وهذا الوجه لا يتوقف على شعور الشركاء بعبادتهم ولا على عدمه فيجوز أن يكون لهم شعور بذلك ويجوز أن لا يكون لهم شعور، والظاهر أن تفسير الغفلة بعدم الارتضاء المراد منهم على ما قيل السخط والكراهة يستدعي الشعور إذ كراهة الشيء مع عدم الشعور به مما لا يكاد يعقل وإثباته لجميع الشركاء ولو اجمالا في وقت من الأوقات الدنيوية غير مسلم، ولعل التعبير بالغفلة أكثر تهجينا للمخاطبين ولعبادتهم من التعبير بعدم الطلب مثلا فتأمل، والباء في * (بالله) * صلة و * (شهيدا) * تمييز، و * (إن) * مخففة من أن واللام هي الفارقة بين المخففة والنافية والظرف متعلق بغافلين، والتقديم لرعاية الفاصلة، أي كفى الله شهيدا فإنه العليم الخبير المطلع على كنه الحال إنا كنا غافلين عن عبادتكم، والظاهر من كلام بعض المحققين أن * (فكفى) * الخ استشهاد على النفي السابق لا على الإثبات اللاحق.
* (هنالك تبلوا كل نفس مآ أسلفت وردوا إلى الله مول‍اهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون) * * (هنالك) * أي في ذلك المقام الدحض والمكان الدهش وهو مقام الحشر فهنالك باق على أصله وهو الظرفية المكانية، وقيل: إنه استعمل ظرف زمان مجازا أي في ذلك الوقت * (تبلوا) * أي تختبر * (كل نفس) * مؤمنة كانت أو كافرة * (ما أسلفت) * من العمل فتعاين نفعه وضره أتم معاينة.
وقرأ حمزة. والكسائي * (تتلو) * من التلاوة بمعنى القراءة، والمراد قراءة صحف ما أسلفت، وقيل: إن ذلك كناية عن ظهور الأعمال. وجوز أن يكون من التلو على معنى أن العمل يتجسم ويظهر فيتبعه صاحبه حتى يرد به الجنة أو النار أو هو تمثيل. وقرأ عاصم في رواية عنه * (نبلو) * بالباء الموحدة والنون ونصب * (كل) * على أن فاعل - نبلو - ضميره تعالى و * (كل) * مفعوله و * (ما) * بدل منه بدل إشتمال، والكلام استعارة تمثيلية أي هنالك نعامل كل نفس معاملة من يبلوها ويتعرف أحوالها من السعادة والشقاوة باختبار ما أسلفت من العمل، ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء أي العذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر فتكون ما منصوبة بنزع الخافض وهو الباء السببية.
* (وردوا إلى الله) * عطف على زيلنا والضمير للذين أشركوا وما في البين اعتراض في أثناء الحكاية مقرر لمضمونها، والمعنى ردوا إلى جزائه وعقابه أو إلى موضع ذلك، فالرد ءما معنوي أو حسي. وقال الإمام: المعنى جعلوا ملجئين إلى الإقرار بأولهيته سبحانه وتعالى * (مولاهم) * أي ربهم * (الحق) * أي المتحقق الصادق في ربوبيته لا ما اتخذوه
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»