تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٠٥
حالا من * (عاصم) * وقيل متعلقة بالاستقرار المفهوم من الظرف وليس في الكلام مضاف محذوف، و * (من) * الثانية على حالها والجملة مستأنفة أو حال من ضمير * (ترهقهم) * وفي نفي العاصم من المبالغة في نفي العصمة ما لا يخفى * (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل) * أي كأنما ألبست ذلك لفرط سوادها وظلمتها، والجار والمجرور صفة * (قطعا) * وقوله سبحانه: * (مظلما) * حال من * (الليل) * والعامل فيه متعلق الجار والمجرور فعلا كان أو اسما.
وجوز أبو البقاء كونه حالا من * (قطعا) * أو صفة له، وكان الواجب الجمع لأن * (قطعا) * جمع قطعة إلا أنه أفردت حاله أو صفته لتأويل ذلك بكثير ولا يخفى أنه تكلف مستغنى عنه، والظاهر أن دمن) * للتبعيض، وقال بعض المحققين: لليل معنيان زمان تخفى فيه الشمس قليلا أو كثيرا كما يقال دخل الليل والآن ليل وما بين غروب الشمس إلى طلوعها أو قربها من الطلوع، فمن إما تبعيضية على الأول وبيانية على الثاني، وجوز الزمخشري أن يكون العامل في الحال * (أغشيت) * من قبل أن * (من الليل * (صفة لقطعا فكان إفضاؤه إلى الموصوف كافضائه إلى الصفة. قال صاحب التقريب: وفيه نظر لأن * (من الليل) * ليس صلة أغشيت حتى يكون عاملا في المجرور بل التقدير أنه صفة فيكون العامل فيه الاستقرار، وأيضا الصفة * (من الليل) * وذو الحال هو - الليل - فلا يكون * (أغشيت) * عاملا في ذي الحال مع أنه المقصود وقد يقال: إن * (من) * للتبيين والتقدير كائنة من الليل فاغشيت عامل في الصفة وهي كائنة فكأنه عامل في * (الليل) * وهو مبني على أن العامل في العامل في الشيء عامل فيه وهو فاسد فالوجه أن يقال: إن * (من) * للتبعيض أي بعض الليل ويكون بدلا من * (قطعا) * ويجعل * (مظلما) * حالا من البعض لا * (من الليل) * فيكون العامل في ذي الحال * (أغشيت) * ولا يخفى أنه وجه أغشى قطعا من ليل التكلف والتعسف مظلما. وأجاب الإمام أمين الدين بأنه نسبة * (أغشيت) * إلى * (قطعا) * إنما هي باعتبار ذاتها المبهمة المفسرة بالليل لا باعتبار مفهوم القطع في نفسها وإنما ذكرت لبيان مقدار ما أغشيت به وجوههم وهو الليل مظلما فافضاء الفعل إلى * (قطعا) * باعتبار ما لا يتم معناها المراد إلا به كافضاء الفعل إليه كما إذا قيل: اشتريت أرطالا من الزيت صافيا فإن المشتري فيه الزيت والارطال مبينة لمقدار ما اشترى صافيا فالعامل في الحال إنما هو العامل اللفظي ولا يلاحظ معنى الفعل في الجار والمجرور من جهة العمل لغلبة العامل اللفظي عليه بالظهور ولا يخفى ما فيه. وقال في الكشف: إن الزمخشري ذهب إلى أن * (أغشيت) * له اتصال بقوله تعالى: * (من الليل) * من قبل أن الصفة والموصوف متحدان لا سيما والقطع بعض الليل فجاز أن يكون عاملا في الصفة بذلك الاعتبار وكأنه قيل أغشيت الليل مظلما وهذا كما جوز في نحو * (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا) * (الحجر: 47) أن يكون حالا من الضمير باعتبار اتحاده بالمضاف وكأنه قيل: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا وكما جوز في * (ملة إبراهيم حنيفا) * (البقرة: 135) لأن الملة كالجزء كأنه قيل: اتبعوا إبراهيم حنيفا وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري وهو سر هذا الموضع لا ما طوله كثيرون لا سيما حمل * (من) * على التجريد فإنه مع أن المعنى على التبعيض لا البيان وليس كل بيان تجريدا لا يتم مقصوده انتهى.
وقد عرض في ذلك بشيخه العلامة الطيبي فإنه عليه الرحمة قد تكلف ما تكلف والانصاف أن ما جوزه الزمخشري هنا مما لا ينبغي والسعي في إصلاحه مع وجود الوجه الواضح الذي لا ترهقه قترة يقرب من أن يكون عبثا. وقرأ ابن كثير. والكسائي. ويعقوب. وسهل * (قطعا) * بسكون الطاء وهو اسم مفرد معناه طائفة من الليل أو ظلمة آخره أو اسم جنس لقطعة وأنشدوا.
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»