تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ٥٣
إذ الحجة قد قامت عليهم وأن ما ذكره عليه الصلاة والسلام قبل من الدلائل والبينات كاف في إزالة عذرهم بطلبهم للدليل لا يلتفت إليه بعد و * (إن) * شرطية والاسم مرفوع بشرط مضمر يفسره الظاهر لا بالابتداء ومن زعم ذلك فقد أخطأ كما قال الزجاج لأن إن لكونها تعمل العمل المختص بالفعل لفظا أو محلا مختصة به فلا يصح دخولها على الاسماء أن وإن استجارك أحد * (من المشركين استجارك) * أي استأمنك وطلب مجاورتك بعد انقضاء الأجل المضروب * (فأجره) * أي فآمنه * (حتى يسمع كل‍ام الله) * ويتدبره ويطلع على حقيقة ما تدعو إليه والاقتصار على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم لكونهم من أهل اللسن والفصاحة، والمراد بكلام الله تعالى الآيات المشتملة على ما يدل على التوحيد ونفي الشبه والشبيه، وقيل: سورة براءة، وقيل: جميع القرآن لأن تمام الدلائل والبينات فيه، و * (حتى) * للتعليل متعلقة بما عندها، وليست الآية من التنازع على ما صرح به الفاضل ابن العادل حيث قال: ولا يجوز ذلك عند الجمهور لأمر لفظي صناعي لأنا لو جعلناها من ذلك الباب واعلمنا الأول أعني استجارك لزم إثبات الممتنع عندهم وهو إعمال حتى في الضمير فانهم قالوا: لا يرتكب ذلك إلا في الضرورة كما في قوله: فلا والله لا يلفي أناس * فتى حتاك يا ابن أبي زياد ضرورة أن القائلين بأعمال الثاني يجوزن إعمال الأول المستدعى لما ذكر سيما على مذهب الكوفيين المبني على رجحان إعماله ومن جوز إعماله في الضمير يصح ذلك عنده لعدم المحذور حينئذ، ويفهم ظاهر كلام بعض الأفاضل جواز التعلق باستجارك حيث قال: لا داعي لتعلقه بأجره سوى الظن أنه يلزم أن يكون التقدير على تقدير التعلق بالأول وإن أحد من المشركين استجارك حتى يسمع كلام الله فأجره حتاه أي حتى السمع وهل يقول عاقل بتوقف تمام قولك إن استأمنك زيد لأمر كذا فآمنه على أن تقول لذلك الأمر كلا فرضنا الاحتياج ولزوم التقدير ولكن ما الموجب لتقدير حتاه الممتنع في غير الضرورة ولم لا يجوز أن يقدر لذلك أوله أو حتى يسمعه أو غير ذلك مما في معناه، وقال آخر: إن لزوم الاضمار الممتنع على تقدير إعمال الأول لا يعين إعمال الثاني فلا يخرج التركيب من باب التنازع بل يعدل حينئد إلى الحذف فإن تعذر أيضا ذكر مظهرا كما يستفاد من كلام نجم الأئمة وغيره من المحققين.
وقد يقال: إن المانع من كونه من باب التنازع انه ليس المقصود تعليل الاستجارة بما ذكر كما أن المقصود تعليل الاجارة به. نعم قال شيخ الاسلام ان تعق الإجارة بسماع كلام الله تعالى يستلزم تعلق الاستجارة أيضا بذلك أو ما في معناه من أمور الدين، وما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه انه أتاه رجل من المشركين فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتي محمدا صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله تعالى أو لحاجة قتل قال: لا. لأن الله تعالى يقول: و * (إن أحد من المشركين استجارك فأجره) * الخ فالمراد بما فيه من الحاجة هي الحاجة المتعلقة بالدين لا ما يعمها وغيرها من الحاجات الدنيوية كما ينبىء عنه قوله أن يأتي محمدا صلى الله عليه وسلم فإن من يأتيه عليه الصلاة والسلام إنما يأتيه للأمور المتعلقة بالدين انتهى، لكنه ليس بشيء لأن الظاهر من كلام ذلك القائل العموم فيكون جواب الأمير كرم الله تعالى وجهه مؤيدا لما قلناه. ويرد على قوله قدس سره أن يأتيه عليه الصلاة والسلام انما يأتيه للأمور المتعلقة بالدين منع ظاهر فلا يتم بناء الانباء، وجوز غير واحد كون حتى للغاية والخبر المذكور وجزالة المعنى يشهدان بكونها للتعليل بل قال المولى سرى الدين المصري:
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»