تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ٥٠
فلو قيل رأيت رجلا وأكرت الرجل الطويل لم ترد بالثاني الأول وإن وصفته بما لا يقتضي المغايرة جاز كقولك فأكرمت الرجل المذكور والآية من هذا القبيل، فإن * (الحرم) * صفة مفهومة من فحوى الكلام فلا تقتضي المغايرة، وكأن النكتة في العدول عن الضمير ووضع الظاهر موضعه الاتيان بهذه الصفة لتكون تأكيدا لما ينبىء عنه إباحة السياحة من حرمة التعرض لهم مع ما في ذلك من مزيد الاعتناء بشأن الموصوف. وعلى هذا فالمراد بالمشركين في قوله سبحانه: * (فاقتلوا المشركين) * الناكثون فيكون المقصود بيان حكمهم بعد التنبيه على إتمام مدة من لم يكنث ولا يكون حكم الباقين مفهوما من عبارة النص بل من دلالته، وجوز أن يكون المراد بها تلك الأربعة مع ما فهم من قوله سبحانه: * (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) * من تتمة مدة بقيت لغير الناكثين. وعليه يكون حكم الباقين مفهوما من العبارة حيث إن المراد بالمشركين حينئذ ما يعمهم والناكثين إلا أنه يكون الانسلاخ وما نيط به من القتال شيئا فشيئا لا دفعة واحدة، فكأنه قيل: فإذا تم ميقات كل طائفة فاقتلوهم، وقيل: المراد بها الأشهر المعهودة الدائرة في كل سنة وهي رجب. وذو العقدة. وذو الحجة. والمحرم. وهو مخل بالنظم الكريم لأنه يأباه الترتيب بالفاء وهو مخالف للسياق الذي يقتضي توالي هذه الأشهر. وقيل: إنه مخالف للإجماع أيضا لأنه قام على أن هذه الأشهر يحل فيها القتال وأن حرمتها نسخت وعلى تفسيره بها يقتضي بقاء حرمتها ولم ينزل بعد ما ينسخها. ورد بأنه لا يلزم أن ينسخ الكتاب بالكتاب بل قد ينسخ بالسنة كما تقرر في الأصول، وعلى تقدير لزومه كما هو رأي البعض يحتمل أن يكون ناسخه من الكتاب منسوخ التلاوة. وتعقب هذا بأنه احتمال لا يفيد ولا يسمع لأنه لو كان كذلك لنقل والنسخ لا يكفي فيه الاحتمال، وقيل: إن الاجماع إذا قام على أنها منسوخة كفى ذلك من غير حاجة إلى نقل سند إلينا، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف لعشر بقين من المحرم، وكما أن ذلك كاف لنسخها يكفي لنسخ ما وقع في الحديث الصحيح وهو " إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله تعالى السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب " فلا يقال: إنه يشكل علينا لعدم العلم بما ينسخه كما توهم، وإلى نسخ الكتاب بالإجماع ذهب البعض منا. ففي النهاية شرح الهداية تجوز الزيادة على الكتاب بالإجماع صرح به الإمام السرخسي، وقال فخر الإسلام: إن النسخ بالإجماع جوزه بعض أصحابنا بطريق أن الإجماع يوجب العلم اليقيني كالنص فيجوز أن يثبت به النسخ، والإجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المسهور والنسخ به جائز فبالاجماع أولى. وأما اشتراط حياة النبي صلى الله عليه وسلم في جواز النسخ فغير مشروط على قول ذلك البعض من الأصحاب اه‍. وأنت تعلم أن المسألة خلافية عندنا، على أن في الإجماع كلاما، فقد قيل: ببقاء حرمة قتال المسلمين فيها إلا أن يقاتلوا ونقل ذلك عن عطاء لكنه قول لا يعتد به، والقول بأن منع القتال في الأشهر الحرم كان في تلك السنة وهو لا يقتضي منعه في كل ما شابهها بل هو مسكوت عنه فلا يخالف الإجماع، ويكون حله معلوما من دليل آخر ليس بشيء، لأن الظاهر أن من يدعي الإجماع يدعيه في الحل في تلك السنة أيضا، وبالجملة لا معول على هذا التفسير، وهذه على ما قال الجلال السيوطي هي آية السيف التي نسخت آيات العفو والصفح والاعراض والمسالمة.
وقال العلامة ابن حجر: أية السيف * (وقاتلوا المشركين كافة) * (التوبة: 36) وقيل: هما، واستدل الجمهور بعمومها على قتال الترك والحبشة كأنه قيل: فاقتلوا الكفار مطلقا * (حيث وجدتموهم) * من حل وحرم * (وخذوهم) * قيل: أي أسروهم
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»