تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ٥٦
وأخرج ابن المنذر. وأبو الشيخ عن عكرمة. ومجاهد أن الال بمعنى الله عز وجل، ومنه ما روي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قرىء عليه كلام مسيلمة فقال لم يخرج هذا من أل فأين تذهب بكم؟ قيل: ومنه اشتق الال بمعنى القرابة كما اشتقت الرحمن من الرحمن، والظاهر أنه ليس بعربي إذ لم يسمع في كلام العرب ال بمعنى اله. ومن هنا قال بعضهم انه عبري ومنه جبرال: وأيده بأنه قرىء إيلا وهو عندهم بمعنى الله أو الاله أي لا يخافون الله ولا يراعونه فيكم. والذمة الحق الذي يعاب ويذم على اغفاله أو العهد، وسمي به لأن نقضه يوجب الذم، وهي في قولهم في ذمتي كذا محل الالتزام ومن الفقهاء من قال: هو معنى يصير به الآدمي على الخصوص أهلا لوجوب الحقوق عليه، وقد تفسر بالأمان والضمان وهي متقاربة، وزعم بعضهم أن الال والذمة كلاهما هنا بمعنى العهد والعطف للتفسير، ويأباه إعادة لا ظاهرا فليس هو نظير. فالفي قولها كذبا ومينا فالحق المغايرة بينهما، والمراد من الآية قيل: بيان أنهم اسراء الفرصة فلا عهد لهم، وقيل: الإرشاد إلى أن وجوب مراعاة حقوق العهد على كل من المتعاهدين مشروط بمراعاة الآخر لها فإذا لم يراعها المشركون فكيف تراعونها فهو على منوال قوله: علام تقبل منهم فدية وهم * لا فضة قبلوا مناولا ذهبا ولم أجد لهؤلاء مثلا من هذه الحيثية المشار إليها بقوله سبحانه: * (وإن يظهروا) * الخ إلا أناسا متزينين بزي العلماء وليسوا منهم ولا قلامة ظفر فافهم معي وحسبي الله وكفى على هذا الطرز فرفعهم الله تعالى لا قدرا وحطهم ولا حط عنهم وزرا وقوله سبحانه: * (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) * استئناف للكشف عن حقيقة شؤونهم الجلية والخفية دافع لما يتوهم من تعليق عدم رعاية العهد بالظفر أنهم يراعونه عند عدم ذلك حيث بين فيه أنهم في حالة العجز أيضا ليسوا من الوفاء في شيء وإن ما يظهرونه أخفاهم الله تعالى مداهنة لا مهادنة، وكيفية ارضائهم المؤمنين أنهم يبدون لهم الوفاء والمصافاة ويعدونهم بالإيمان والطاعة ويؤكدون ذلك بالأيمان الفاجرة والمؤمن غر كريم إذا قال صدق وإذا قيل له صدق ويتعللون لهم عند ظهور خلاف ذلك بالمعاذير الكاذبة.
وتقييد الارضاء بالأفواه للإيذان بأن كلامهم مجرد ألفاظ يتفوهون بها من غير أن يكون لها مصداق في قلوبهم، وأكد هذا بمضمون الجملة الثانية وزعم بعضهم أن الجملة حالية من فاعل * (يرقبوا) * لا استئنافية، ورد بأن الحال تقتضي المقارنة والارضاء قبل الظهور الذي هو قبل عدم الرقوب الواقع جزاء فاين المقارنة، وأيضا أن بين الحالتين منافاة ظاهرة فإن الارضاء بالافواه حالة إخفاء الكفر والبغض مداراة للمؤمنين وحالة عدم المراعاة والوقوف حالة مجاهدة بالعداوة لهم وحيث تنفيا لا معنى لتقييد إحداهما بالأخرى * (وأكثرهم فاسقون) * خارجون عن الطاعة متمردون لا عقيدة تزعهم ولا مروءة تردهم وتخصيص الأكثر لما في بعض الكفرة من التحامي عن العذر والتعفف عما يجر أحدوثة السوء، ووصف الكفرة بالفسق في غاية الذم.
* (اشتروا بااي‍ات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم سآء ما كانوا يعملون) *.
* (اشتروا بآيات الله) * أي المتضمنة للأمر بايفاء العهود والاستقامة في كل أمر أو جميع آياته فيدخل فيها ما ذكر دخولا أوليا، والمراد بالاشتراء الاستبدال، وفي الكلام استعارة تبعية تصريحية ويتبعها مكنية حيث شبهت الآيات بالشيء المبتاع، وقد يكون هناك مجاز مرسل باستعمال المقيد وهو الاشتراء في المطلق وهو الاستبدال على حد ما قالوا في المرسن أي استبدلوا بذلك * (ثمنا قليلا) * أي شيئا حقيرا من حطام الدنيا وهو أهواؤهم وشهواتهم التي اتبعوها
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»