تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ٣٦
بالعذاب عذاب الدنيا غير القتل مما لم يعهد لمكان نزل من السماء، وحينئذ لا يرد أنه استشهد منهم بعدتهم لأن الشهادة لا تعد عذابا، لكن هذا لا ينفع ذلك القائل لأنه لم يفسر العذاب إلا بالغلبة وهي صادقة في مادة الشهادة.
* (فكلوا مما غنمتم حل‍الا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم) *.
* (فكلوا مما غنمتم) * قال محيي السنة: روي أنه لما نزلت الآية الأولى كف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزلت هذه الآية، فالمراد مما غنمتم إما الفدية وإما مطلق الغنائم، والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية وإلا فحل الغنيمة مما عداها قد علم سابقا من قوله سبحانه: * (واعلموا أنما غنمتم) * الخ بل قال بعضهم: إن الحل معلوم قبل ذلك بناء على ما في كتاب " الأحكام " أن أول غنيمة في الإسلام حين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه لبدر الأولى ومعه ثمانية رهط من المهاجرين رضي الله تعالى عنهم فأخذوا عيرا لقريش وقدموا بها على النبي صلى الله عليه وسلم فاقتسموها وأقرهم على ذلك.
ويؤيد القول بأن هذه الآية محللة للفدية ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مما هو نص في ذلك، وقيل: المراد بما غنمتم الغنائم من غير اندراج الفدية فيها لأن القوم لما نزلت الآية الأولى امتنعوا عن الأكل والتصرف فيها تزهدا منهم لا ظنا لحرمتها إذ يبعده أن الحل معلوم لهم مما مر وليس بالبعيد والقول بأن القول الأول مما يأباه سباق النظم الكريم وسياقه ممنوع ودون إثباته الموت الأحمر.
والفاء للعطف على سبب مقدر، أي قد أحبت لكم الغنائم فكلوا مثلا، وقيل: قد يستغني عن العطف على السبب المقدر بعطفه على ما قبله لأنه بمعناه، أي لا أؤاخذكم بما أخذتم من الفداء فكلوه، وزعم بعضهم أن الأظهر تقدير دعوا والعطف عليه، أي دعوا ما أخذتم فكلوا مما غنمتم وهو مبني على ما ذهب إليه من الإباء، وبنحو هذه الآية تشبث من زعم أن الأمر الوارد بعد الحظر للإباحة، وضعف بأن الإباحة ثبتت هنا بقرينة أن الأكل إنما أمر به لمنفعتهم فلا ينبغي أن تثبت على وجه المضرة والمشقة، وقوله تعالى: * (حلالا) * حال من * (ما) * الموصولة أو من عائدها المحذوف أو صفة للمصدر أي أكلا حلالا، وفائدة ذكره وكذا ذكر قوله تعالى: * (طيبا) * تأكيد الإباحة لما في العتاب من الشدة * (واتقوا الله) * في مخالفته * (إن الله غفور رحيم) * ولذا غفر لكم ذنبكم وأباح لكم ما أخذتموه، وقيل: فيغفر لكم ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل ورود الإذن ويرحمكم ويتوب عليكم إذا اتقيتموه.
* (ي‍اأيها النبى قل لمن فىأيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا ممآ أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) *.
* (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم) * أي في ملكتكم واستيلائكم كأن أيديكم قابضة عليهم * (من الأسرى) * الذين أخذتم منهم الفداء، وقرأ أبو عمرو. وأبو جعفر من * (الأسارى) * * (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) * إيمانا وتصديقا كما قال ابن عباس * (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) * من الفداء.
والآية على ما في رواية ابن سعد. وابن عساكر نزلت في جميع أسارى بدر وكان فداء العباس منهم أربعين أوقية وفداء سائرهم عشرين أوقية، وعن محمد بن سيرين أنه كان فداؤهم مائة أوقية والأوقية أربعون درهما وستة دنانير.
وجاء في رواية أنها نزلت في العباس رضي الله تعالى عنه، وقد روي عنه أنه قال: كنت مسلما لكن استكرهوني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن يكن ما تذكر حقا فالله تعالى يجزيك فإما ظاهر أمرك فقد كان علينا فاد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحرث. وعقيل بن أبي طالب وحليفك عتبة بن عمرو فقلت: ما ذاك عندي يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: فأين الذي دفنت أنت وأم الفضل؟ فقلت لها: إني لا أدري ما يصيبني في
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»