تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ٣٤
أخرج أحمد. والترمذي وحسنه. والطبراني. والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: " لما كان يوم بدر جىء بالأسارى وفيهم العباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم لعل الله تعالى أن يتوب عليهم، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فاضرمه عليهم نارا. فقال العباس وهو يسمع ما يقول: قطعت رحمك، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا، فقال أناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال أناس: يأخذ بقول عمر، وقال أناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله سبحانه ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال: * (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) * (إبراهيم: 36) ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام قال: * (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * (المائدة: 118) ومثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام إذا قال: * (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم) * (يونس: 88) * (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) * (يونس: 88) ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * (نوح: 26) أنتم عالة فلا يفلتن أحد إلا بفداء أو ضرب عنق، فقال عبد الله رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع على الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل بن بيضاء ".
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " قال عمر رضي الله تعالى عنه: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر قاعدان يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه صلى الله عليه وسلم ".
واستدل بالآية على أن الأنبياء عليهم السلام قد يجتهدون وأنه قد يكون الوحي على خلافه ولا يقرون على الخطأ، وتعقب بأنها إنما تدل على ذلك لو لم يقدر في * (ما كان لنبي) * لأصحاب نبي ولا يخفى أن ذلك خلاف الظاهر مع أن الإذن لهم فيما اجتهدوا فيه اجتهاد منه عليه الصلاة والسلام إذ لا يمكن أن يكون تقليدا لأنه لا يجوز له التقليد، وأما أنها إنما تدل على اجتهاد منه عليه الصلاة والسلام إذ لا يمكن أن يكون تقليدا لأنه لا يجوز له التقليد، وأما إنها إنما تدل على اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لا اجتهاد غيره من الأنبياء عليهم السلام فغير وارد لأنه إذا جاز له عليه الصلاة والسلام جاز لغيره بالطريق الأولى، وتمام البحث في كتب الأصول، لكن بقي ههنا شيء وهو أنه قد جاء من اجتهد وأخطأ فله أجر ومن اجتهد وأصاب فله أجران إلى عشرة أجور فهل بين ما يقتضيه الخبر من ثبوت الأجر الواحد للمجتهد المخطىء وبين عتابه على ما يقع منه منافاة أم لا؟ لم أر من تعرض لتحقيق ذلك، وإذا قيل: بالأول لا يتم الاستدلال بالآية كما لا يخفى.
لولا كت‍ابمن الله سبق لمسكم فيمآ أخذتم عذاب عظيم) *.
* (لولا كتاب من الله سبق) * قيل: أي لولا حكم منه تعالى سبق إثباته في اللوح المحفوظ وهو أن لا يعذب قوما قبل تقديم ما يبين لهم أمرا أو نهيا، وروى ذلك
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»