تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٥٧
* (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) * وفي الآية تعريض بأن القوم ليسوا من الإيمان بالله تعالى في شيء وإن لم يعرضوا عنه صريحا اعراضهم عن اجلهاد باستئذانهم في القعود * (وأولئك) * أي المنعوتون بالنعوت الجليلة * (لهم) * بواسطة ذلك * (الخيرات) * أي المنافع التي تسكن النفس إليها وترتاح لها، وظاهر اللفظ عمومها هنا لمنافع الدارين كالنصر والغنيمة في الدنيا والجنة ونعيمها في الأخرى، وقيل. المراد بها الحور لقولهتعالى: * (فيهن خيرات حسان) * فإنها فيه بمعنى الحور فتحمل عليه هنا أيضا. ونص المبرد على أن الخيرات تطلق على الجواري الفاضلات وهي جمع خيرة بسكون الياء مخفف خيرة المشددة تأنيث خير وهو الفاضل من كل شيء المستحسن منه * (وأولئك هم المفلحون) * أي الفائزون بالمطالب دون من حاز بعضا يفنى عما قليل، وكرر اسم الإشارة تنويها بشأنهم.
* (أعد الله لهم جن‍ات تجري من تحتها الانه‍ار خ‍الدين فيها ذالك الفوز العظيم) *.
* (أعد الله لهم) * استئناف لبيان كونهم مفلحين، وقيل: يجوز أن يكون بيانا لما لهم من المنافع الأخروية ويخص ما قبل بمنافع الدنيا بقرينة المقابلة، والاعداد التهيئة أي هيأ لهم * (جن‍ات تجري من تحتها الأنه‍ار خ‍الدين فيها) * حال مقدرة من الضمير في * (لهم) * والعامل * (أعد) * * (ذالك) * إشارة إلى ما فهم من الكلام من نيل الكرامة العظمى * (الفوز) * أي الظفر * (العظيم) * الذي لا فوز وراءه.
* (وجآء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم) *.
* (وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم) * شروع في بيان أحوال منافقي الاعراب إثر بيان أحوال منافقي أهل المدينة. والمعذرون من عذر في الأمر إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد، وحقيقته أن يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له، ويحتمل أن يكون من اعتذر والأصل المعتذون فادغمت التاء في الذال بعد نقل حركتها إلى العين، ويجوز كسرها لالتقاء الساكنين وضمها إتباعا للميم لكن لم يقرأ بهما، وقرأ يعقوب * (المعذرون) * بالتخفيف وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فهو من اعذر إذا كان له عذر. وعن مسلمة أنه قرأ * (المعذرون) * بتشديد العين والذال من تعذر بمعنى اعتذر.
وتعقب ذلك أبو حيان فقال: هذه القراءة إما غلط من القارىء أو عليه لأن التاء لا يجوز إدغامها في العين لتضادهما، وأما تنزيل التضاد منزلة التناسب فلم يقله أحد من النحاة ولا القراء فالاستغال بمثله عيب، ثم إن هؤلاء الجائين كاذبون على أول احتمالي القراءة الأولى، ويحتمل أن يكونوا كاذبين وإن يكونوا صادقين على الثاني منهما وكذا على القراءة الأخيرة، وصادقون على القراءة الثانية. واختلفوا في المراد بهم فعن الضحاك أنهم رهط عامر بن الطفيل جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله إنا إن غزونا معك أغارت طي على أهالينا ومواشينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنبأني الله من أخباركم وسيغني الله سبحانه عنكم. وقيل: هم أسد. وغطفان استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال. وأخرج أبو الشيخ عن ابن إسحاق أنه قال: ذكر لي أنهم نفر من بني غفار. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم أهل العذر ولم يبين من هم؛ ومما ذكرنا يعلم وقوع الاختلاف في أن هؤلاء الجائين هل كانوا صادقين في الاعتذار أم لا، وعلى القول بصدقهم يكون المراد بالموصول في قوله سبحانه: * (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) * غيرهم وهم أناس من الاعراب أيضا منافقون والأولون لا نفاق فيهم، وعلى القول بكذبهم يكون المراد به الأولين، والعدول عن الاضمار إلى الإظهار إظهار لذمهم بعنوان الصلة، والكذب على الأول بإدعاء الإيمان وعلى الثاني بالاعتذار، ولعل
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 » »»