تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٥٠
باق على أصله في الجواز إذ لو لم يتعرض له بنفي ولا إثبات والأصل جواز الاستغفار للرسول عليه الصلاة والسلام وكونه مظنة الإجابة ففهم من حيث أنه الأصل لا من التخصيص بالذكر، وحاصل الأول منه فهمه منه مطلقا بل إنما فهم من الخارج، وحاصل الثاني تسليم فهمه منه في الجلمة لكن لا بطريق المفهوم بل من جهة الأصل.
وأنت تعلم أن ظاهر الخبر مع القائلين بالمفهوم غاية الأمر أن الله سبحانه أعلم نبيه عليه الصلاة والسلام بأية المنافقين أن المراد بالعدد هنا التكثير دون التحديد ليكون حكم الزائد مخالفا لحكم المذكور فيكون المراد بالآيتين عند الله تعالى واحدا وهو عدم المغفرة لهم مطلقا، لكن في دعوى نزول آية المنافقين بعد هذه الآية اشكال، أما على القول بأن براءة آخر ما نزل فظاهر وأما على القول بأن أكثرها أو صدرها كذلك وحينئذ لا مانع من تأخر نزول بعض الآيات منها عن نزول بعض من غيرها فلأن صدر ما في سورة المنافقين يقتضي أنها نزلت في غير قصة هذه التي سلفت آنفا، وظاهر الأخبار كما ستعلم إن شاء الله تعالى يقتضي أنها نزلت في ابن أبي ولم يكن مريضا، وما تقدم في سبب تزول ما هنا نص في أنه نزل وهو مريض، والقول بأن تلك تزلت مرتين يحتاج إلى النقل ولا يكتفي في مثله بالرأي وأنى به، على أنه يشكل حينئذ قوله عليه الصلاة والسلام " لأزيدن على السبعين " مع تقدم تزول المبين للمراد منه، والقول بالغفلة لا أراه إلا ناشئا من الغفلة عن قوله تعالى: * (سنقرئك فلا تنسى) * بل الجهل بمقامه الرفيع عليه الصلاة والسلام ومزيد اعتنائه بكلام ربه سبحانه، ولم أر من تعرض لدفع هذا الإشكال، ولا سبيل إلى دفعه إلا بمنع نزول ما في سورة المنافقين في قصة أخرى ومنع دلالة الصدر على ذلك. نعم ذكروا أن الصدر نزل في ابن أبي ولم يكن مريضا إذ ذاك؛ ولم نقف على نص في أن العجز نزل فيه كذلك، والظاهر نزوله بعد قوله سبحانه: دولا تصل على أحد منهم) * الخ وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يؤيد ذلك عند تفسير الآية فافهم * (ذالك) * أي امتناع المغفرة لهم ولو بعد ذلك الاستغفار * (بأنهم) * أي بسبب أنهم * (كفروا بالله ورسوله) * يعني ليس الامتناع لعدم الاعتداد باستغفارك بل بسبب عدم قابليتهم لأنهم كفروا كفرا متجاوزا للحد كما يشير إليه وصفهم بالفسق في قوله سبحانه: * (والله لا يهدي القوم الف‍اسقين) * فإن الفسق في كل شيء عبارة عن التمرد والتجاوز عن حدوده، والمراد بالهداية الدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل لأنها واقعة لكن لم يقبلوها لسوء اختيارهم، والجملة تذييل مؤكد لما قبله من الحكم فإن مغفرة الكفار بالاقلاع عن الكفر والإقبال إلى الحق والمنهمك فيه المطبوع عليه بمعزل من ذلك، وفيه تنبيه على عذر النبي صلى الله عليه وسلم في الاستغفار لهم وهو عدم يأسه من إيمانهم حيث لم يعلم إذ ذاك أنهم مطبوعون على الغي لا ينجع فيهم العلاج ولا يفيدهم الإرشاد، والممنوع هو الاستغفار بعد العلم بموتهم كفارا كما يشهد له قوله سبحانه: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعدما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) * (التوبة: 113) ولعل نزول قوله سبحانه: * (بأنهم) * الخ متراخ عن نزول قوله سبحانه: * (استغفر لهم) * الخ كما قيل وإلا لم يكن له صلى الله عليه وسلم عذر في الاستغفار بعد النزول.
والقول بأن هذا العذر إنما يصح لو كان الاستغفار للحي كما مر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيه نظر.
* (فرح المخلفون بمقعدهم خل‍افرسول الله وكرهوا أن يج‍اهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) *.
* (فرح المخلفون) * أي الذين خلفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأذن لهم في التخلف أو خلفهم الله تعالى بتثبيطه إياهم
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»