تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٨٧
أو فم وإن اقترنت به همهمة شفتي الأخرس ولو لغير حاجة وإن فهم الفطن كلاما أو قصد محاكاة بعضهم أصوات الحيوانات وإن لم يقصد التلاعب وإلا بطلت، وينبغى التحري في هؤلاء القوم فإن حالهم في ذلك متفاوت لكن أكثر ما شاهدناه على الطراز الذي ذكرناه، وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من الكتب الفقهية. قال موسى: * (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) * (الأعراف: 551) وذلك من شدة غلبته الشوق، و * (لو) * هذه للتمني، أتهلكنا بعذاب الحجاب والحرمان بما فعل السفهاء من عبادة العجل إن هي إلا فتنتك لا مدخل فيها لغيرك، وهذا مقتضى مقام تجلي الأفعال، فاغفر لنا ذنوب صفاتنا وذواتنا كما غفرت ذنوب أفعالنا، وارحمنا بإفاضة أنوار شهودك ورفع حجاب الآنية بوجودك، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وهي حسنة الاستقامة بالبقاء بعد الفناء، وفي الآخرة حسنة المشاهدة، والكلام في بقية الكلام لا يخفى على من له أدنى ذوق. خلا أن بعضهم أول العذاب في قوله سبحانه وتعالى: * (عذابي أصيب به من أشاء) * (الأعراف: 156) بعذاب الشوق المخصوص الذي يصيب أهل العناية من الخواص وهو الرحمة التي لا يكتنه كنهها ولا يقدر قدرها وإنها لأعز من الكبريت الأحمر، وأهل الظاهر يرونه بعيدا والقوم يقولون نراه قريبا، وقالوا: الأمي نسبة إلى الأم لكن على حد أحمري، وقيل: للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأنه أم الموجودات وأصل المكنونات، واختير هذا اللفظ لما فيه من الإشارة إلى الرحمة والشفقة وهو الذي جاء رحمة للعالمين وإنه عليه الصلاة والسلام لأشفق على الخلق من الأم بولدها إذ له صلى الله عليه وسلم الحظ الأوفر من التخلق بأخلاق الله تعالى وهو سبحانه أرحم الراحمين، وذكروا أن أتباعه من حيث النبوة الخواص ومن الأمية خواص الخواص ومن حيث الرسالة هؤلاء المذكورون كلهم والعوام نسأل الله تعالى أن يوفقنا لاتباعه صلى الله عليه وسلم في سائر شؤونه.
* (وقطعن‍اهم اثنتى عشرة أسباطا أمما وأوحينآ إلى موسى إذ استسق‍اه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغم‍ام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيب‍ات ما رزقن‍اكم وما ظلمونا ول‍اكن كانوا أنفسهم يظلمون) *.
* (وقطعناهم) * أي قوم موسى عليه السلام لا الأمة المذكورة كما يوهمه القرب * (وقطع) * يقرأ مشددا ومخففا والأول هو المتواتر ويتعدى لواحد وقد يضمن معنى صير فيتعدى لاثنين فقوله تعالى: * (اثنتي عشرة) * حال أو مفعول ثان، أي فرقناهم معدودين بهذا العدد أو صيرناهم اثنتي عشرة أمة يتميز بعضها عن بعض، وقوله سبحانه وتعالى: * (أسب‍اطا) * كما قال ابن الحاجب في " شرح المفصل " بدل من العدد لا تمييز له وإلا لكانوا ستة وثلاثين، وعليه فالتمييز محذوف أي فرقة أو نحوه، قال الحوفي: إن صفة التمييز أقيمت مقامه والأصل فرقة اسباطا، وجوز أن يكون تمييزا لأن مفرد تأويلا، فقد ذكروا أن السبط مفردا ولد الولد أو ولد البنت أو الولد أو القطعة من الشيء أقوال ذكرها ابن الأثير، ثم استعمل في كل جماعة من بني إسرائيل كالقبيلة في العرب، ولعله تسمية لهم باسم أصلهم كتميم، وقد يطلق على كل قبيلة منهم أسباط أيضا كما غلب الأنصار على جمع مخوص فهو حينئذ بمعنى الحي والقبيلة فلهذا وقع موقع المفرد في التمييز وهذا كما ثنى الجمع في قول أبي النجم يصف رمكة تعودت الحرب: تبقلت في أول التبقل * بين رماحي مالك ونهشل وتأنيث اثنتي مع أن المعدود مذكر وما قبل الثلاثة يجري على أصل التأنيث والتذكير لتأويل ذلك بمؤنث وهو ظاهر مما قررنا، وقرأ الأعمل وغيره * (عشرة) * بكسر الشين وروى عنه فتحها أيضا والكسر لغة تميم والسكون لغة الحجاز، وقوله سبحانه: * (أمما) * بدل بعد بدل من اثنتي عشرة لا من أسباط على تقدير أن
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»