محمدا صلى الله عليه وسلم في نوره الذي هو نوره أعني النور الشعشعاني الذي يذهب بالأبصار، وهو المسار إليه في حديث " لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره " فقد أعظم الفرية، ومن هذا يعلم ما في احتمال إرادة عدم الوقوع مع قطع النظر عن الإمكان وعدمه. وقولهم: إنه يجوز أن لا يكون ذلك الطلب محرما في شرعه فلا يمتنع يرد عليه أن دليل الحرمة ظاهر، فإن طلب المحال لو لم يكن حراما في شرعه عليه السلام لما بلغ في التشنيع على قومه حين طلبوا ما طلبوا على أنا لو سلمنا أنه ليس بحرام يقال: إنه لا فائدة فيه وما كان كذلك فمنصب النبوة منزه عنه، ومن هذا يعلم ما في قولهم الأخير.
وأجيب عن قولهم: إن المعلق عليه هو استقرار الجبل حال حركته بأنهم إن أرادوا أن الشرط هو الاستقرار حال وجود الحركة مع الحركة فهو زيادة اضمار وترك لظاهر اللفظ من غير دليل فلا يصح، وإن أرادوا أن الشرط هو الاستقرار في الحالة التي وجدت فيها الحركة بدلا عن الحركة فلا يخفى جوازه، فكيف يدعى أنه محال لذاته؟، وبعضهم قال في الرد: إن المعلق عليه استقرار الجبل بعد النظر بدليل الفاء، وحين تعلقت إرادة الله تعالى بعدم استقراه عقيب النظر استحال استقراره وإن كان بالغير فعدل عن القول بالمحال بالذات إلى القول بالمحال بالغير لأن الغرض يتم به أيضا، وتعقبه السالكوتي وغيره بأنه ليس بشيء لأن استقرار الجبل حين تعلق إرادته تعالى بعدم استقراره أيضا ممكن بأن يقع بدله الاستقرار إنما المحال استقراره مع تعلق إرادته سبحانه بعدم الاستقرار، ولبعض فضلاء الروم ههنا كلام نقله الشهاب لا تغرنك قعقعته فإن الظواهر لا تترك لمجرد الاحتمال المرجوح، وأجيب عن قولهم لا نسلن أن المعلق بالممكن ممكن الخ بأن المراد بالممكن المعلق عليه الممكن الصرف والخالي عن الامتناع مطلقا، ولا شك أن إمكان المعلول فيما امتنع عدم علته ليس كذلك بل التعليق بينهما إنما هو بحسب الامتناع بالغير فإن استلزام عدم الصفات وعدم العقل الأول عدم الواجب من حيث إن وجود كل منهما واجب وعدمه ممتنع بوجود الواجب، وأما بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الأمور الخارجة فلا استلزام بخلاف استقرار الجبل فإنه ممكن صرف غير ممتنع لا بالذات ولا بالعرض كما لا يخفى، على أن بعضهم نظر في صحة المثال لغة وإن كان فيه ما فيه، وما قيل: إنه ليس المقصود في الآية بيان جواز الرؤية وعدم جوازها إذ هو غير مسؤول عنه بل المقصود إنما هو بيان عدم وقوعها وعدم الشرط مكتفل بذلك كلام لا طائل تحته، إذ الجواز وعدم الجواز من مستتبعات التعليق بإجماع جهابذة الفريقين، وما ذكروه في المعارضة من أن * (لن) * تفيد تأبيد النفي غير مسلم، ولو سلم فيحتمل أن ذلك بالنسبة إلى الدنيا كما في قوله تعالى: * (ولن يتمنوه أبدا) * فإن إفادة التأبيد فيه أظهر، وقد حملوه على ذلك أيضا لأنهم يتمنونه في الآخرة للتخلص من العقوبة، ومما يهدي إلى هذا أن الرؤية المطلوبة إنما هي الرؤية في الدنيا وحق الجواب أن يطابق السؤال، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن أن نفي الرؤية مقيد لا مطلق فليتبع بيانه عليه الصلاة والسلام، فقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية * (رب أرني) * الخ فقال: قال الله تعالى يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده ولا رطب إلا تفرق وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم " وهذا ظاهر في أن مطلوب موسى عليه السلام كان الرؤية في الدنيا مع بقائه على حالته