تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٤٤
* (تم) * معنى بلغ، وقيل: إن تم من الأفعال الناقصة وهذا خبره وهو خبر غريب، وقيل: إنه منصوب على الظرفية. وأورد عليه أنه كيف تكون الأربعين ظرفا للتمام والتمام إنما هو بآخرها إلا أن يتجوز فيه.
* (وقال موسى) * حين توجه إلى المناجاة حسبما أمر به * (لأخيه ه‍ارون) * اسم أعجمي عبراني لم يقع في كلام العرب بطريق الاصالة، ويكتب بدون الف، وهو هنا بفتح النون على أنه مجرور بدلا من أخيه أو بيانا له، أو منصوب مفعولا به لمقدر أعني أعني وقرىء شاذا بالضم على أنه خبر مبتدأ محذوف هو هو أو منادي حذف منه حرف النداء أي يا هرون * (اخلفني) * أي كن خليفتي * (في قومي) * وراقبهم فيما يأتون وما يذرون، واستخلافه عليه السلام لأخيه مع أنه عليه السلام كان نبيا مرسلا مثله قيل: لأن الرياسة كانت له دونه، واجتماع الرياسة مع الرسالة والنبوة ليس أمرا لازما كما يرشد إلى ذلك سبر قصص أنبياء بني اسرائيل، وذكر الشيخ الأكبر قدس سره في فتوحاته أن هارون ذكر له أن نبي بحكم الأصالة ورسول بحكم التبعية فلعل هذا الاستخلاف من آثار تلك التبعية، وقيل: إن هذا كما يقول أحد المأمورين بمصلحة للآخر إذا أراد الذهاب لأمر: كن عوضا عني على معنى أبذل غاية وسعك ونهاية جهدك بحيث يكون فعلك فعل شخصين * (وأصلح) * ما يحتاج إلى الاصلاح من أمور دينهم، أو كن مصلحا على أنه منزل منزلة اللازم من غير تقدير مفعول.
وعن ابن عباس أنه يريد الرفق بهم والإحسان إليهم، وقيل: المراد احملهم على الطاعة والصلاح * (ولا تتبع سبيل المفسدين) * أي ولا تتبع سبيل من سلك الافساد بدعوة وبدونها، وهذا من باب التوكيد كما لا يخفى.
* (ولما جآء موسى لميق‍اتنا وكلمه ربه قال رب أرنىأنظر إليك قال لن ترانى ول‍اكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلمآ أفاق قال سبح‍انك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) *.
* (ولما جاء موسى لميقاتنا) * أي لوقتنا الذي وقتناه أي لتمام الأربعين، واللام للاختصاص كما في قوله سبحانه: * (لدلوك الشمس) * وهي بمعنى عند عند بعض النحويين * (وكلمه ربه) * من غير واسطة بحرف وصوت ومع هذا لا يشبه كلام املخلوقين ولا محذور في ذلك كما أوضحناه في الفائدة الرابعة، وإلى ما ذكر ذهب السلف الصالح، وقد أخرج البزار. وابن أبي حاتم. وأبو نعيم في الحلية. والبيهقي في الأسماء والصفات عن جابر قال: قال " رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كلم الله تعالى موسى يوم الطهور كملة بغير الكلام الذي كلمه يوم ناداه فقال له موسى: يا رب أهذا كلامك الذي كلتني به؟ قال يا موسى: أنا كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا: يا موسى صف لنا كلام الرحمن، فقال: لا تستطيعونه ألم تروا إلى صوت الصواعق الذي يقبل في أحلى حلاوة سمعتوه فذاك قريب منه وليس به ".
وأخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم. والحاكم وصححه عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال: " إنما كلم الله تعالى موسى بقدر ما يطيق من كلامه ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شيء " وأخرج جماعة عن كعب قال: " لما كلم الله تعالى موسى كلمه بالألسنة كلها فجعل يقول: يا رب لا أفهم حتى كلمه آخر الألسنة بلسان بمثل صوته " الخبر، وأخرجوا عن ابن كعب القرظي أنه قال: قيل لموسى عليه السلام ما شبهت كلام ربك مما خلق؟ فقال عليه السلام: بالرعد الساكن، وأخرج الديلمي عن أبي هريرة مرفوعا لما خرج أخي موسى إلى مناجاة ربه كلمه ألف كلمة ومائتي كلمة فأول ما كلمه بالبربرية، ونقل عن الأشعري أن موسى
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»