لا يتوقف على معد وإنما المتوقف عليه الرؤية والإدراك، وعلل النيسابوري عدم كون الجواب لن تنظر إلى المناسب لأنظر إليك بأن موسى عليه السلام لم يطلب النظر المطلق وإنما طلب النظر الذي معه الإدراك بدليل أرني. وانتصر بعضهم للمعتزلة بأن لهم أن يقولوا: إن طلب الإراءة متضمن لطلب رفع الموانع من الرؤية وإيجاد ما تتوقف هي عليه لأن معنى ذلك مكنى من الرؤية والتمكين إنما يتم بما ذكر من الرفع والإيجاد، وكان الظاهر في رد هذا الطلب لن أمكنك من رؤيتي لكن عدل عنه إلى لن تراني إشارة إلى استحالة الرؤية وعدم وقوعها بوجه من الوجوه، كأنه قيل: إن رؤيتك لي أمر محال في نفسه وتمكيني إنما يكون من الممكن، ولو لم يكن المراد ذلك بل كان المراد أنك لا قابلية لك لرؤيتي لكان لموسى عليه السلام أن يقول يا رب أنا أعلم عدم القابلية لكني سألتك التمكين وهو متضمن لسؤال إيجادها لأنها مما تتوقف الرؤية عليه، فعلى هذا لا يكون الجواب مفيدا لموسى عليه السلام ولا مقنعا له بخلافه على الأول، فيكون حينئذ هو المتعين. فإن قيل: القابلية وعدم القابلية من توابع الاستعداد وعدم الاستعداد وهما غير مجعولين، قلنا: هذا على ما فيه من الكلام العريض والنزاع الطويل مستلزم لمطلوبنا من امتناع الرؤية كما لا يخفى على من له أدنى استعداد لفهم الحقائق.
وأجيب بأن طلب التمكين من شيء إنما يتضمن طلب رفع الموانع التي في جانب المطلوب منه فقط على ما هو الظاهر لا مطلقا بحيث يشمل ما كان في جانب المطلوب منه وما كان في جانب الطالب، ويرشد إلى ذلك أن قولك: لم يمكني زيد من قتل عمرو مثلا ظاهر في أنه حال بينك وبين قتله مع تهيئك له وارتفاع الموانع التي من قبلك عنه، فكأن موسى عليه السلام لما كلمه ربه هاج به الشوق إلى الرؤية كما قال الحسن: لأن دو الله إبليس غاص في الأرض حتى خرج من بين قدميه فوسوس إليه إن مكلمك شيطان فعند ذلك سألها كما قال السدي: وأعوذ بالله من اعتقاده فذهل عن نفسه وما فيها من الموانع فلم يخطر بباله إلا طلب رفع الموانع عنها من قبل الرب سبحانه فنبهه جل شأنه بقوله: * (لن تراني) * على وجود المانع فيه عن الرؤية وهو الضعف عن تحملها وأراه ضعف من هو أقوى منه عن ذلك بدك الجبل عند تجليه له، ففائدة الاستدراك على هذا أن يتحقق عنده عليه السلام أنه أضعف من أن يقوم لتجلي الرؤية، وهو على ما هو عليه، ويمكن أن تكون التوبة منه عليه السلام بعد أن أفاق من هذه الغفلة، وحينئذ لا شك أن الجواب ب * (لن تراني) * الخ مفيد مقنع.
هذا وذكر بعض المحققين أن حاصل الكلام في هذا المقام أن موسى عليه السلام كان عالما بإمكان الرؤية ووقوعها في الدنيا لمن شاء الله تعالى من عباده عقلا؛ والشروط التي تذكر لها ليست شروطا عقلية وإنما هي شروط عادية ولم يكن عالما بعدم الوقوع مع عدم تغير الحال حتى سمع ذلك من الرب المتعال، وليس في عدم العلم بما ذكر نقص في مرتبته عليه السلام لأنه من الأمور الموقوفة على السمع، والجهل بالأمور السمعية لا يعد نقصا، فقد صح أن أعلم الخلق على الإطلاق نبينا صلى الله عليه وسلم سئل عن أشياء فقال: سأسأل جبريل عليه السلام، وأن جبريل عليه السلام سئل فقال: سأسأل رب العزة، وقد قالت الملائكة: * (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) * (البقرة: 32) وأن الآية لا تصلح دليلا على امتناع الرؤية على ما يقوله المعتزلة بل دلالتها على إمكانها في الجملة أظهر وأظهر، بل هي ظاهرة في ذلك دون ما يقوله الخصوم، وما رواه