تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٩
على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) * (القصص: 5)، وقيل: المراد بها علمه تعالى الأزلي، والمعنى مضى واستمر عليهم ما كان مقدرا من إهلاك عدوهم وتوريهم الأرض، و * (الحسنى) * تأنيث الأحسن صفة للكلمة ووصفت بذلك لما فيها من الوعد بما يحبون ويستحسنون، وعن الحسن أنه أريد بالكلمة عدته سبحانه وتعالى لهم بالجنة ولا يخفى أنه يأباه السابق والسياق، والتفت من التكلم إلى الخطاب في قوله سبحانه: * (ربك) * على ما قال الطيبي لأن ما قبله من القصص كان غير معلوم له صلى الله عليه وسلم. وأما كون جل شأنه منجزا لما وعد ومجريا لما قضى وقدر فهو معلوم له عليه الصلاة والسلام، وذكر في " الكشف " أنه ادمج في هذا الالتفات أنه ستتم كلمة ربك في شأنك أيضا. وقرأ عاصم في رواية * (كلمات) * بالجمع لأنها مواعيد، والوصف بالحسنى لتأويله بالجماعة، وقد ذكروا أنه يجوز وصف كل جمع بمفرد مؤنث إلا أن الشائع في مثله التأنيث بالتاء؛ وقد يؤنث بالألف كما في قوله سبحانه: * (مآرب أخرى) * (طه: 18) * (بما صبروا) * أي بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من فرعون وقومه وحسبك بهذا حاثا على الصبر ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله تعالى إليه ومن قابله بالصبر ضمن الله تعالى له الفرج.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن الحسن قال: لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم بشيء صبروا ودعوا الله تعالى لم يلبثوا أن يرفع الله تعالى ذلك عنهم ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه ثم تلي هذه الآية، وفي رواية أخرى عنه قال: ما أوتيت بنو إسرائيل ما أوتيت إلا بصبرهم وما فزعت هذه الأمة إلى السيف قط فجاءت بخير. وأقول قد شاهدنا الناس سنة الألف والمائتين والثمان والأربعين قد فزعوا إلى السيف فما أغناهم شيئا ولا تم لهم مراد ولا حمد منهم أمر، بل وقعوا في حرة رحيله، ووادي خدبات، وأم حبوكر، ورموا لعمر الله بثالثة الأثافي، وقص من جناح عزهم القدامى والخوافي ولم يعلموا أن عيش المضر حلوه مر مقر وأن الفرج إنما يصطاد بشباك الصبر. وما أحسن قول الحسن: عجبت ممن خف كيف خف وقد سمع قوله سبحانه: وتلا الآية، ويعلم منها أن التحزن لا ينافي الصبر لأن الله سبحانه وصف بني إسرائيل به مع قولهم السابق لموسى عليه السلام * (أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) * (الأعراف: 129) * (ودمرنا) * أي خربنا وأهلكنا * (ما كان يصنع فرعون وقومه) * في أرض مصر من العمارات والقصور أي دمرنا الذي كان هو ويصنعه فرعون على أن * (ما) * موصولة واسم كان ضمير راجع إليها وجملة يصنع فرعون من الفعل والفاعل خبر كان والجملة صلة الموصول والعائد إليه محذوف، وجوز أن يكون فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف أيضا. وتعقبه أبو البقاء بأن يصنع يصلح أن يعمل في فرعون فلا يقدر تأخيره كما لا يقدر تأخير الفعل في قولك: قام زيد وفيه غفلة عن الفرق بين المثال وما نحن فيه وهو مثل الصبح ظاهر وقيل: * (ما) * مصدرية وكان سيف خطيب والتقدير ما يصنع فرعون الخ، وقيل: كان كما ذكر وما موصولة اسمية والعائد محذوف والتقدير ودمرنا الذي يصنعه فرعون الخ أي صنعه، والعدول إلى صيغة المضارع على هذين القولين لاستحضار الصورة * (وما كانوا يعرشون) * من الجنات أو ما كانوا يرفعونه من البنيان كصرح هامان، وإلى الأول يشير كلام الحسن وإلى الثاني كلام مجاهد.
وقرأ ابن عامر. وأبو بكر هنا وفي النحل * (يعرشون) * بضم الراء والباقون بالكسر وهما لغتان فصيحتان والكسر
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»