تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٨٣
* (قل الأنفال لله والرسول) * أي حكمها مختص بالله تعالى حقيقة وبالرسول مظهرية * (فاتقوا الله) * بالاجتناب عن رؤية الأفعال برؤية فعل الله تعالى * (وأصلحوا ذات بينكم) * بمحو صفات نفوسكم التي هي منشأ صدوركم ما يوجب التنازع والتخالف * (وأطيعوا الله ورسوله) * بفنائها ليتيسر لكم قبول الأمر بالإرادة القلبية الصادقة * (إن كنتم مؤمنين) * (الأنفال: 1) الايمان الحقيقي * (إنما المؤمنون) * كذلك * (الذين إذا ذكر الله) * بملاحظة عظمته تعالى وكبريائه وسائر صفاته وهو ذكر القلب وذكره سبحانه وتعالى بالأفعال ذكر النفس * (وجلت قلوبهم) * أي خافت لإشراق أنوار تجليات تلك الصفات عليها * (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) * بالترقي من مقام العلم إلى العين.
وقد جاء أن الله تعالى تجلى لعباده في كلامه لو يعلمون * (وعلى ربهم يتوكلون) * (الأنفال: 2) إذ لا يرون فعلا لغيره تعالى، وذكر بعض أهل العلم أنه سبحانه وتعالى نبه أولا: بقوله عز قائلا: * (وجلت قلوبهم) * على بدء حال المريد لأن قلبه لم يقو على تحمل التجليات في المبدأ فيحصل له الوجه كضرمة السعفة ويقشعر لذلك جلده وترتعد فرائصه، وأما المنتهى فقلما يعرض له ذلك لما أنه قد قوى قلبه على تحمل التجليات وألفها فلا يتزلزل لها ولا يتغير، وعلى هذا حمل السهر وردى قدس سره ما روى عن الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه أنه رأى رجلا يبكي عند قراءة القرآن فقال: هكذا كنا حتى قست القلوب حيث أراد حتى قويت القلوب إذ أدمنت سماع القرآن وألفت أنواره فما تستغربه حتى تتغير، ونبه ثانيا: سبحانه وتعالى بقوله جل وعلا: * (زادتهم إيمانا) * على أخذ المريد في السلوك والتجلي وعروجه في الأحوال، وثالثا: بقوله عز شأنه * (وعلى ربهم يتوكلون) * على صعوده في الدرجات والمقامات، وفي تقديم المعمول إيذان بالتبري عن الحول والقوة والتفويض الكامل وقطع النظر عما سواه تعالى، وفي صيغة المضارع تلويح إلى استيعاب مراتب التوكل كلها، وهو كما قال العارف أبو إسماعيل الأنصاري أن يفوق الأمر كله إلى مالكه ويعول على وكالته، وهو من أصعب المنازل، وهو دليل العبودية التي هي تاج الفخر عند الأحرار، والظاهر أن الخوف الذي هو خوف الجلال والعظمة يتصف به الكاملون أيضاف ولا يزول عنهم أصلا وهذا بخلاف خوف العقاب فإنه يزول، وإلى ذلك الإشارة بما شاع في الأثر " نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه " * (الذين يقيمون الصلاة) * أي صلاة الحضور القلبي وهي المعراج المعنوي إلى مقام القرب * (ومما رزقناهم) * من العلوم التي حصلت لهم بالسير * (ينفقون) * (الأنفال: 3) * (أولئك هم المؤمنون حقا) * لأنهم الذي ظهرت فيهم الصفات الحقة وغدوا مرايا لها ومن هنا قيل: المؤمن مرآة المؤمن * (لهم درجات عند ربهم) * من مراتب الصفات وروضات جنات القلب * (ومغفرة) * لذنوب الأفعال * (ورزق كريم) * (الأنفال: 4) من ثمرات أشعار التجليات الصفاتية، وقا لبعض العارفين: المغفرة إزالة الظلمات الحاصلة من الاشتغال بغير الله تعالى والرزق الكريم الأنوار الحاصلة بسبب الاستغراق في معرفته ومحبته وهو قريب مما ذكرنا * (كما أخرجوك ربك من بيتك) * متلبسا * (بالحق وإن فريقا من المؤمنين) * وهم المحتجبون برؤية الأفعال * (لكارهون) * (الأنفال: 5) أي حالهم في تلك الحال كحالهم في هذه الحال * (يجادلونك في الحق بعد ما تبين) * لك أولهم بالمعجزات * (إذ تستغيثون ربكم) * بالبراءة عن الحول والقوة والانسلاخ عن ملابس الأفعال والصفات النفسية * (فاستجاب لكم) * عند ذلك * (أني ممدكم) * من عالم الملكوت لمشابهة قلوبكم إياه حينئذ * (بألف من الملائكة) * أي القوى السماوية وروحانياتها * (مردفين) * (الأنفال: 9) لملائكة أخرى وهو إجمال ما في آل عمران * (وما جعله الله) * أي ما جعل الله تعالى الإمداد
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»