تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٧٩
وقع حالا من * (كل بنان) * وضعف كونه حالا من بنان بأن فيه تقديم حال المضاف إليه على المضاف.
* (ذلك بأنهم شآقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) *.
* (ذالك) * إشارة إلى الضرب والأمر به أو إلى جميع ما مر، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من ذكر قبل من الملائكة والمؤمنين على البدل أو لكل أحد ممن يليق بالخطاب. وجوز أن يكون خطابا للجمع، والكاف تفرد مع تعدد من خوطب بها، وليست كالضمير على ما صرحوا به، ومحل الاسم الرفع على الابتداء وخبره قوله سبحانه وتعالى: * (بأنهم شاقوا الله ورسوله) * وقال أبو البقاء: إن ذلك خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك وليس الأمر ذلك، والباء للسببية والمشاقة العداوة سميت بذلك أخذا من شق العصا وهي المخالفة أو لأن كلا من المتعاديين يكون في شق غير شق الآخر كما أن العداوة سميت عداوة لأن كلا منهما في عدوة أي جانب وكما أن المخاصمة من الخصم بمعنى الجانب أيضا، والمراد بها هنا المخالفة أي ذلك ثابت لهم أو واقع عليهم بسبب مخالفتهم لمن لا ينبغي لهم مخالفته بوجه من الوجوه * (ومن يشاقق الله ورسوله) * أي يخالف أمر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ والإظهار في مقام الإضمار لتربية المهابة وإظهار كمال شناعة ما اجترأوا عليه والإشعار بعلية الحكم، وبئس خطيب القوم أنت اقتضاه الجمع على وجه لا يبين منه الفرق ممن هو في ربقة التكليف؛ وأين هذا من ذاك لو وقع ممن لا حجر عليه وإنما لم يدغم المثلان لأن الثاني ساكن في الأصل والحركة لالتقاء الساكنين فلا يعتد بها، وقوله تعالى: * (فإن الله شديد العقاب) * إما نفس الجزاء قد حذف منه العائد عند من يلتزمه ولا يكتفي بالفاء في الربط أي شديد العقاب له، أو تعليل للجزاء المحذوف أي عاقبه الله تعالى فإن الله شديد العقاب، وأيا ما كان فالشرطية بيان للسببية السابقة بطريقة برهاني، كأنه قيل: ذلك العقاب الشديد بسبب المشاقة لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وكل من يشاقق الله ورسوله كائنا من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد فأذن لهم بسبب مشاقة الله ورسوله عقاب شديد، وقيل: هو ويد بما أعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا، قال بعض المحققين: ويرده قوله سبحانه وتعالى:
* (ذالكم فذوقوه وأن للك‍افرين عذاب النار) *.
* (ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار) * فإنه مع كونه هو المسوق للوعيد بما ذكر ناطق بكون المراد بالعقاب المذكور ما أصابهم عاجلا سواء جعل * (ذلكم) * إشارة إلى نفس العقاب أو إلى ما تفيده الشرطية من ثبوته لهم، أما على الأول: فلأن الأظهر أن محلة النصب بمضمر يستدعيه * (فذوقوه) * والواو في * (وأن للكافرين) * الخ بمعنى مع، فالمعنى باشروا ذلكم العقاب الذي أصابكم فذوقوه عاجلا مع أن لكم عذاب النار آجلا، فوقع الظاهر موضع الضمير لتوبيخهم بالكفر وتعليل الحكم به، وأما على الثاني: فلأن الأقرب أن محله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وقوله سبحانه وتعالى: و * (أن) * الخ معطوف عليه، والمعنى حكم الله تعالى ذلكم أي ثبوت هذا العقاب لكم عاجلا وثبوت عذاب النار آجلا، وقوله تعالى: * (فذوقوه) * اعتراض وسط بين المعطوفين للتهديد، والضمير على الأول لنفس المشار إليه وعلى الثاني لما في ضمنه اه‍.
واعترض على الاحتمال الأول بأن الكلام عليه من باب الاشتغال وهو إنما يصح لو جوز ناصحة الابتداء في * (ذلكم) * وظاهر أنه لا يجوز لأن مابعد الفاء لا يكون خبرا إلا إذا كان المبتدأ موصولا أو نكرة موصوفة. ورد بأنه ليس متفقا عليه فإن الأخفش جوزه مطلقا، وتقديره باشروا مما استحسنه أبو البقاء وغيره قالوا: لتكون الفاء عاطفة لا زائدة أو جزائية كما في نحو زيدا فاضربه على كلام فيه، وبعضهم يقدر
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»