* (إلا بشرى) * أي بشارة لكم بالنصر * (ولتطمئن به قلوبكم) * لما فيها من اتصالها بما يناسبها * (وما النصر إلا من عند الله) * والأسباب في الحقيقة ملغاة * (إن الله عزيز) * قوي على النصر من غير سبب * (حكيم) * (الأنفال: 10) يفعله على مقتضى الحكمة وقد اقتضت فعله على الوجه المذكور * (إذ يغشيكم النعاس) * وهو هدو القوى البدنية والصفات النفسانية بنزول السكينة * (أمنة منه) * أي أمنا من عنده سبحانه وتعالى * (وينزل عليكم من السماء) * أي سماء الروح * (ماء) * وهو ماء علم اليقين * (ليطهركم به) * عن حدث هواجش الوهم وجنابة حديث النفس * (ويذهب عنكم رجز الشيطان) * وسوسته وتخويفه * (وليربط على قلوبكم) * أي يقويها بقوة اليقين ويسكن جأشكم * (ويثبت به الأقدام) * (الأنفال: 11) إذ الشجاعة وثبات الأقدام في المخاوف من ثمرات قوة اليقين * (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم) * أي يمد الملكوت بالجبروت * (فثبتوا الذين آمنوا سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب) * لانقطاع المدد عنهم واستيلاء قتام الوهم عليهم * (فاضربوا فوق) * لئلا يرفعوا رأسا * (واضربوا منهم كل بنان) * (الأنفال: 12) لئلا يقدروا على المدافعة، وبعضهم جعل الإشارة في الآيات نفسية والخطاب فيها حسبما يليق له الخطاب من المرشد والسالك مثلا، ولكل مقام مقال، وفي تأويل النيسابوري نبذة من ذلك فارجع إليه إن أردته وما ذكرناه يكفي لغرضنا وهو عدم إخلاء كتابنا من كلمات القوم ولا نتقيد بآفاقية أو أنفسية والله تعالى الموفق للرشاد، ثم إنه تعالى عاد كلامه إلى بيان بقية أحكام الواقعة وأوالها وتقرير ما سبق [بم حيث قال سبحانه:
* (فلم تقتلوهم ولاكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولاكن الله رمى وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم) *.
* (فلم تقتلوهم) * الخطاب للمؤمنين، والفاء قيل واقعة في جواب شرط مقدر يستدعيه ما مر من ذكر إمداده تعالى وأمر بالتثبيت وغير ذلك، كأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فلم تقتلوهم أنتم بقوتكم وقدرتكم * (ولكن الله قتلهم) * بنصركم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب في قلوبهم. وجوز أن يكون التقدير إذا علمتم ذلك فلم تقتلوهم على معنى فاعلموا أو فاخبركم أنكم لم تقتلوهم، وقيل: التقدير إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم لما روى أنهم لما انصرفوا من المعركة غالبين غانمين أقبلوا يتفاخرون يقولون: قتلت وأسرت وفعلت وتركت فنزلت. وقال أبو حيان: ليست هذه الفاء جواب شرط محذوف كما زعموا وإنما هي للربط بين الجمل لأنه قال سبحانه: * (فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) * وكان امتثال ما أمر به سببا للقتل فقيل فلم تقتلوهم أي لستم مستبدين بالقتل لأن الأقدار عليه والخلق له إنما هو لله تعالى، قال السفاقسي: وهذا أولى من دعوى الحذف. وقال ابن هشام: إن الجواب المنفي لا تدخل عليه الفاء.
ومن هنا مع كون الكلام على نفي الفاعل دون الفعل كما قيل ذهب الزمخشري إلى اسمية الجملة حيث قدر المبتدأ أي فأنتم لم تقتلوهم، وجعل بعضهم المذكور علة الجزاء أقيمت مقامه وقال: إن الأصل إن افتخرتم بقتلهم فلا تفتخروا به لأنكم لم تقتلوهم ونظائره كثيرة، ولعل كلام أبي حيان كما قال السفاقسي أولى، والخطاب في قوله سبحانه: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * خطاب لنبيه عليه الصلاة والسلام بطريق التلوين وهو إشارة إلى رميه صلى الله عليه وسلم بالحصى. يوم بدر وما كان منه. فقد روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: لما طلعت قريش من العقنقل: هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها اللهم إني أسألك ما وعدتني فأتاه جبريل عليه السلام فقال له: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فلما التقى الجمعان قال لعلي كرم الله تعالى وجهه: أعطني قبضة من حصباء الوادي فرمى بها وجوههم فقال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه