تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٧٤
القراءة التي حكاها الخليل عن بعض المكيين، وذكر أبو البقاء أنه قرىء بكسر الميم والراء، ونقل عن بعضهم أن مردفا بفتح الراء وتشديد الدال من ردف بتضعيف العين أو أن التشديد بدل من الهمزة كأفرحته وفرحته.
ومن الناس من فسر الارتداف بركوب الشخص خلف الآخر وأنكره أبو عبيدة وأيده بعضهم، وعن السدي أنه قرىء * (بآلاف) * على الجمع فيوافق ما وقع في سورة أخرى * (بثلاثة آلاف) * (آل عمران: 124) و * (بخمسة آلاف) * (آل عمران: 125) قيل: ووجه التوفيق بينه وبين المشهور أن المراد بالألف الذين كانوا على المقدمة أو الساقة أو وجوههم أو من قاتل منهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه قال: كان ألف مردفين وثلاثة آلف منزلين وهو جمع ليس بالجيد.
وأخرج ابن جرير. وعبد بن حميد عن قتادة أنهم أمدوا أولا بألف ثم بثلاثة آلاف ثم أكملهم الله تعالى خمسة آلاف، وأنت تعلم أن ظاهر ما روي عن الحبر يقتضي أن ما في الآية ألفان في الحقيقة، وصرح بعضهم أن ما فيها بيان إجمالي لما في تلك السورة بناء على أن معنى مردفين جاعلين غيرهم من الملائكة رديفا لأنفسهم، وهو ظاهر في أن المراد بالألف الرؤساء المستتبعون لغيرهم، والأكثرون على أن الملائكة قاتلت يوم بدر، وفي الأخبار ما يدل عليه، وذكروا أنها لم تقاتل يوم الأحزاب ويوم حنين، وتفصيل ذلك في السير، وقد تقدم بعض الكلام فيما يتعلق بهذا المقام فتذكر.
* (وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم) *.
* (وما جعله الله) * كلام مستأنف لبيان أن المؤثر الحقيقي هو الله تعالى ليثق به المؤمنون ولا يقنطوا من النصر عند فقدان أسبابه، والجعل متعد إلى واحد وهو الضمير العائد إلى المصدر المنسبك في * (أني ممدكم) * على قراءة الفتح والمصدر المفهوم من ذلك على الكسر، واعتبار القول ورجوع الضمير إليه ليس بمعتبر من القول، أي وما جعل إمدادكم بهم لشيء من الأشياء * (إلا بشرى) * أي بشارة لكم بأنكم تنصرون * (ولتطمئن به) * أي بالإمداد * (قلوبكمم) * وتسكن إليه نفوسكم وتزول عنكم الوسوسة ونصب * (بشرى) * على أنه مفعول له ولتطمئن معطوف عليه، وأظهرت اللام لفقد شرط النصب، وقيل: للإشارة إلى أصالته في العلية وأهميته في نفسه كما قيل في قوله سبحانه: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * (النحل: 8).
وقيل: إن الجعل متعد إلى اثنين ثانيهما * (بشرى) * على أنه استثناء من أعم المفاعيل، واللام متعلقة بمحذوف مؤخر أي وما جعله الله تعالى شيئا من الأشياء إلا بشارة لكم ولتطمئن به قلوبكم فعل ما فعل لا لشيء آخر والأول هو الظاهر، وفي الآية إشعار بأن الملائكة لم يباشروا قتالا وهو مذهب لبعضهم، ويشعر ظاهرها بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بذلك الإمداد وفي الإخبار ما يؤيده، بل جاء في غير ما خبر أن الصحابة بأوا الملائكة عليهم السلام.
وروي عن أبي أسيد وكان قد شهد بدرا أنه قال بعد ما ذهب بصره: لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصرى لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة * (وما النصر إلا من عند الله) * أي وما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب إلا كائن من عنده عز وجل، فالمنصور هو من نصره الله سبحانه والأسباب ليست بمستقلة، أو المعنى لا تحسبوا النصر من الملائكة عليهم السلام فإن الناصر هو الله تعالى لكم وللملائكة، وعليه فلا دخل للملائكة في النصر أصلا، وجعل بعضهم القصر على الأول إفرادي وعلى الثاني قلبي * (إن الله عزيز) * لا يغالب في حكمه ولا ينازع في قضيته * (حكيم) * يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة الباهرة، والجملة تعليل لما قبلها وفيها إشعار بأن النصر الواقع على الوجه المذكور من مقتضيات الحكم البالغة.
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»