إن أريد زمان الموت أو زمان القيام بدون ملاحظة الامتداد لظهور أنه قدر يسير في نفسه، وإن أريد الزمان الممتد فاطلاقها عليه إما لمجيئه بغتة كما قيل، أو لأنه يدهش من يأتيهم فيقل عندهم أو يقلل ما قبله، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله تعالى، أو لسرعة حسابه، وجوز أن يكون تسميته بذلك من باب التسمية بالضد تمليحا كما يسمى الأسود كافورا، والسائل عن ذلك أناس من اليهود، فقد أخرج ابن اسحق وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال: حمل بن أبي قشير. وسمول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول فإنا نعلم متى هي؟ وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم أنه تعالى قد استأثر بعلمها فأنزل الله تعالى الآية. وذهب بعض إلى أن السائل قريش، فقد أخرج عبد بن حميد. وابن جرير عن قتادة أن قريشا قالوا: يا محمد أسر إلينا متى الساعة لما بيننا وبينك من القرابة؟ فنزلت. [بم وقوله سبحانه:
* (يسالونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتهآ إلا هو ثقلت فى السماوات والارض لا تأتيكم إلا بغتة يسالونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولاكن أكثر الناس لا يعلمون) *.
* (أيان مرساها) * بفتح همزة أيان. وقرأ السلمي بكسرها وهو لغة فيها، وهي ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام ويليها المبتدأ أو الفعل المضارع دون الماضي بخلاف متى حيث يليها كلاهما، والتحقيق أنها بسيطة مرتجلة، وقيل: اشتقاقها من أي وهي فعلان منه لأن معناه أي وقت، وأي فعل، وأي من أويت بمعنى رجعت لأن باب طويت وشويت أضعاف باب حييت ووعيت ولقربه منه معنى لأن البعض آو إلى الكل ومستند إليه. وأصله على هذا أوي فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار أيا وإنما لم تجعل أيان فعلالا من أين لأنها ظرف زمان وأين ظرف مكان، ومن الناس من زعم أن أصلها أي أوان أو أي آن وليس بشيء.
وتعقب في الكشف حديث الاشتقاق من أي بأنه مخالف لما ذكره الزمخشري في سورة النمل ولو سمي به لكان فعالا من آن يئين ولا تصرف، ثم قال: والوجه ما ذكره هناك لأن الاشتقاق في غير المتصرفة لا وجه له. ثم إنه ليس اشتقاقه من أي أو لي من اشتقاقه من الأين بمعنى الحينونة لأن أيان زمان وكأنه غره الاستفهام وليس بشيء لأنه بالتضمين كما في متى ونحوه؛ وكذلك اشتقاق أي من أويت لا وجه له إلا أن الأظهر أنه يجوز الصرف وعدمه كما في حمار قبان ا ه.
وأجيب بأن ما ذكر أمر قدروه للامتحان وليعلم حكمها إذا سمي بها فلا ينافي ما ذكره الزمخشري وكذا لا ينافي التحقيق فتأمل، وأيا ما كان فهي في محل الرفع على أنها خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر؛ وهو مصدر ميمي من أرساه إذا أثبته وأقره أي متى إثباتها وتقريرها، ولا يكاد يستعمل الإرساء إلا في الشيء الثقيل كما في قوله تعالى: * (والجبال أرساها) * ومنه مرساة السفن، ونسبته هنا إلى الساعة باعتبار تشبيه المعاني بالأجسام.
وجوز بعضهم أن يكون اسم زمان، ولا يرد عليه أنه يلزم أن يكون للزمان زمان، وفي جوازه خلاف الفلاسفة لأنه يؤول بمتى وقوع ذلك، والجملة قيل في محل النصب على المفعولية به لقول محذوف وقع حالا من ضمير يسألونك أي يسألونك قائلين أيان مرساها، وقيل في محل الجر على البدلية عن الساعة.
والتحقيق عند بعض جلة المحققين أن محلها النصب بنزع الخافض لأنها بدل من الجار والمجرور لا من الجرور فقط، وفي تعليق السؤال بنفس الساعة أولا وبوقت وقوعها ثانيا تنبيه على أن المقصد الأصلي من السؤال نفسها باعتبار حلولها في وقتها المعين باعتبار كونه محلا لها، وما في الجواب أعني قوله سبحانه: * (قل إنما عامها عند ربي) * مخرج على ذلك أيضا أي إن علمها بالاعتبار المذكور عنده سبحانه لا غير فلا حاجة