تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٢٨
على صدقه وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما أنزل عليه من الآيات أو في الذي بصاحبهم من جنة بزعمهم ليعلموا أن ذلك ليس من الجنة في شيء فيؤمنوا، واختار الطبرسي أن الكلام قد تم عند قوله تعالى: * (أو لم يتفكروا) * أي أكذبوا ولم يتفكروا في أقواله وأفعاله أو أولم يفعلوا التفكر، ثم ابتدىء فقيل: أي شيء بصاحبهم من جنة ما على طريقة الإنكار والتعجيب والتبكيت، أو قيل: ليس بصاحبهم شيء منها. والمراد بصاحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بذلك لتأكيد النكير وتشديده لأن الصحبة مما يطلعهم على نزاهته صلى الله عليه وسلم عن شائبة مما ذكر، والتعرض لنفس الجنون عنه عليه الصلاة والسلام مع وضوح استحالة ثبوته له لما أن التكلم بما هو خارق لا يصدر إلا عمن به مس من الجنة كيفما اتفق من غير أن يكون له أصل أو همن له تأييد إلهي يخبر به عن الغيوب، وإذا ليس به عليه الصلاة واللاسم شيء من الأول تعين الثاني. وأخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا فدعا قريشا فخذا فخذا يا بني فلان يحذرهم بأس الله تعالى ووقائعه إلى الصباح حتى قال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يهوت حتى أصبح فانزل الله تعالى الآية، وعليه فالتصريح بنفي الجنون للرد على عظيمتهم الشنعاء عند من له أدنى عقل، والعبير بصاحبهم وارد على مشاكلة كلامهم مع ما فيه من النكتة السالفة. وذكر بعضهم في سبب النزول أنهم كانوا إذا رأوا ما يعرض له صلى الله عليه وسلم من برحاء الوحي قالوا: جن فنزلت * (إن هو إلا نذير مبين) * تقرير لما قبله وتكذيب لهم فيما يزعمونه حيث تبين فيخ حقيقة حاله صلى الله عليه وسلم أي ما هو عليه الصلاة والسلام إلا مبالغ في الإنذار مظهر له غاية الإظهار، ثم لما كان أمر النبوة مفرعا على التوحيد ذكر سبحانه ما يدل عليه [بم فقال جل شأنه:
* (أولم ينظروا فى ملكوت السم‍اوات والارض وما خلق الله من شىء وأن عسىاأن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) *.
* (أو لم ينظروا في ملكوت السم‍اوات والأرض) * فهو مسوق للإنكار والتوبيخ بإخلالهم بالتأمل بالآيات التكوينية إثر مانعي عليهم مانعي، والهمزة هنا كالهمزة فيما قبل، والواو للعطف على مقدر كما تقدم أو على الجملة المنفية بلم، والملكوت الملك العظيم، أي أكذبوا أو لم يتفكروا فيما ذكر ولم ينظروا نظر تأمل واستدلال فيما يدل على كمال قدرة الصانع ووحدة المبدع وعظيم شأن المالك ليظهر لهم صحة ما يدعوهم إليه ذاك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكأن التعبير بالنظر هنا دون التفكر الذي عبر به فيما قبل للإشارة إلى أن الدليل هنا أوضح منه فيما تقدم. وقوله سبحانه وتعالى: * (وما خلق الله من شيء) * يحتمل أن يكون عطفا على ملكوت وتخصيصه بالسموات والأرض لكما لظهور عظم الملك فيهما، وأن يكون عطفا على المضاف هو إليه فيكون منسحبا على الجميع، والتعميم لاشتراك الكل في عظم الملك في الحقيقة، و * (من شيء) * بيان * (لما) *، وفي ذلك تنبيه على أن الدلالة على التوحيد غير مقصورة على السموات والأرض بل كل ذرة من ذرات العالم دليل على توحيده: وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد وهذا أمر متفق عليه عند العقلاء. نعم منهم من جعل وجه الدلالة الحدوث وهو الذي عليه معظم المتكلمين، ومنهم من جعل وجهها الإمكان وهو الذي عليه الفلاسفة واختاره بعض المتكلمين، ورجح الأول قطب عصره الشيخ خالد المجددي قدس سره في تعليقاته على حواشي عبد الحكيم على الخيالي فارجع إليها، وقوله تعالى:
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»