تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٢١
وقيل: المراد بالأسماء الصفات ويكون من قولهم طار اسمه في البلاد أي صييته ونعته، والجمهور على الأول لقوله عز اسمه: * (فادعوه بها) * لأنه إما من الدعوة بمعنى التسمية كقولهم: دعوته زيدا أو بزيد أي سميته أو من الدعاء بمعنى النداء كقولهم: دعوت زيدا أي ناديته، وعلى التقديرين إنما يلائم ظاهر المعنى الأول على ما قيل.
* (وذروا الذين يلحدون في اسم‍ائه) * أي يميلون وينحرفون فيها عن الحق إلى الباطل يقال: ألحد إذا مال عن القصد والاستقامة، ومنه لحد القبر لكونه في جانبه بخلاف الضريح فإنه في وسطه، وقرأ حمزة هنا وفي فصلت * (يلحدون) * بالفتح من الثلاثي والمعنى واحد، وروى أبو عبيدة عن الأحمر أن ألحد بمعنى مارى وجادل، ولحد بمعنى مال وانحرف، واختار الواحدي قراءة الجمهور قال: ولا يكاد يسمع لأحد بمعنى ملحد، والإلحاد في أسمائه سبحانه أن يسمى بما لا توقيف فيه أو بما يوهم معنى فاسدا كما في قول أهل البدو يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه يا سخي ونحو ذلك، فالمراد بالترك المأمور به الاجتناب عن ذلك، وبأسمائه ما أطلقوه عليه تعالى وسموه به على زعمهم لا أسماؤه تعالى حقيقة، وعلى ذلك يحمل ترك الإضمار بأن يقال: يلحدون بها، وما قيل: إنه أريد بالأسماء التسميات فلذا ترك الإضمار ليس بشيء، ومن فسر الإلحاد في الأسماء بما ذكر ذهب إلى أن أسماء الله تعالى توقيفية يراعي فيها الكتاب والسنة والإجماع فكل اسم ورد في هذه الأصول جاز أطلاقه عليه جل شأنه وما لم يرد فيها لا يجوز إطلاقه وإن صح معناه، وبهذا صرح أبو القاسم القشيري في مفاتيح الحجج ومصابيح النهج، وفي أبكار الأفكار للآمدي ليس مأخذ جواز تسميات الأسماء الحسنى دليلا عقليا ولا قياسا لفظيا وإلا لكان تسمية الرب تعالى فقيها عاقلا مع صحة معاني هذه التسميات في حقه وهي العلم والفقه أولى من تسميته سبحانه وتعالى بكثير مما يشكل ظاهره بل مأخذ ذلك إنما هو الإطلاق والإذن من الشارع فكل ما ورد الإذن به منه جوزناه وما ورد المنع منه منعناه وما لم يوجد فيه إطلاق ولا منع فقد قال بعض أصحابنا بالمنع منه وليس القول بالمنع مع عدم وروده أولى من القول بالجواز مع عدم وروده إذ المنع والجواز حكمان، وليس إثبات أحدهما مع عدم الدليل أولى من الآخر بل الحق في ذلك هو الوقف وهو أنا لا نحكم بجواز ولا منع والمتبع في ذلك كله الظواهر الشرعية كما هو المتبع في سائر الأحكام وهو أن يكون ظاهرا في دلالته وفي صحته ولا يشترط فيه القطع كما ذهب إليه بعض الأصحاب لكون المنع والجواز من الأحكام الشرعية، والتفرقة بين حكم وحكم في اشتراط القطع في أحدهما دون الآخر تحكم لا دليل عليه انتهى، وأنت تعلم أن المشهور التفرقة بين الأحكام الأصولية الاعتقادية والأحكام الفرعية العملية كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى قريبا، وخلاصة الكلام في هذا المقام أن علماء الإسلام اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء والصفات على الباري تعالى إذا ورد بها الإذن من الشارع وعلى امتناعه إذا ورد المنع عنه، واختلفوا حيث لا إذن ولا منع في جواز إطلاق ما كان سبحانه وتعالى متصفا بمعناه ولم يكن من الأسماء الأعلام الموضوعة في سائر اللغات إذ ليس جواز إطلاقها عله تعالى محل نزاع لأحد، ولم يكن إطلاقه موهما نقصا بل كان مشعرا بالمدح فمنعه جمهور أهل الحق مطلقا للخطر، وجوزه المعتزلة مطلقا، ومال إليه القاض أبو بكر لشيوع إطلاق نحو خدا وتكرى من غير نكير فكان إجماعا، ورد بأن الإجماع كاف في الإذن الشرعي إذا ثبت.
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»