نافع. وأبي عمرو في الشواذ، وتخريجه على أحد الاحتمالين، وقوله تبارك وتعالى: * (يعمهون) * حال من مفعول يذرهم، والعمه التردد في الضلال والتحير أو أن لا يعرف حجة، وإفراد الضمير في حيز النفي رعاية للفظ * (من) * وجمعه في حيز الإثبات رعاية لمعناها للتنصيص على شمول النفي والإثبات للكل كما قيل هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) * (الأعراف: 175) إشارة إلى من ابتلى بالحور بعد الكور بأن سلك حتى ظهر له ما ظهر ثم رجع من الطريق لسوء استعداده وغلبة الشقاوة والعياذ بالله تعالى عليه، وفي التعبير بانسلخ ما لا يخفى * (ولو شئنا رفعناه بها) * إلى حظيرة القدس * (ولكنه أخذ إلى الأرض) * أي مال إلى أرض الطبية السفلية * (واتبع هواه) * في إيثار السوى * (فمثله كمثل الكلب) * في أخس أحواله * (إن تحمل عليه) * بالزجر * (يلهث) * يدلع لسانه مع التنفس الشديد * (أو تتركه يلهث) * (الأعراف: 176) أيضا. والمراد أنه يلهث دائما وكأنه إشارة إلى أن هذا المنسلخ لا يزال يطلق لسانه في أهل الكمال سواء زجر عن ذلك أو لم يزجر * (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) * وهم مظاهر القهر * (لهم قلوب لا يفقهون بها) * الأسرار * (ولهم أعين لا يبصرون بها) * الحجج الكونية * (ولهم آذان لا يسمعون بها) * الآيات التنزيلية فهم صم بكم عمي * (أولئك كالأنعام) * ليس لهم هم إلا الأكل والشرب * (بل هم أضل) * (الأعراف: 179) منها لأنهم لا ينزجرون إذا زجروا ولا يهتدون إذا أرشدوا.
ومما يستبعد من طريق العقل ما نقله الإمام الشعراني عن شيخه علي الخواص قدس سره أن البهائم مكلفون محتجا بقوله تعالى: * (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) * (الأنعام: 38) مع قوله تعالى: * (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) * (فاطر: 24) وبما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: " إنه ليؤخذ للشاة الجماء من الشاة القرناء " وهذا وإن كان في الشاة لكن لا قائل بالفرق، ونقل عنه القول بأن كل ما في الوجود من حيوان ونبات وجماد حي دراك، ثم قال:
فقلت له فهل تشبيه الحق تعالى من ضل من عباده بالأنعام بيان لنقص الأنعام عن الإنسان أم لكمالها في العلم بالله تعالى؟ فقال رضي الله تعالى عنه: لا أعلم، ولكني سمعت بعضهم يقول: ليس تشبيههم بالأنعام نقصا وإنما هو لبيان كمال مرتبتها في العلم بالله عز وجل حتى حارت فيه فالتشبيه في الحقيقة واقع في الحيرة لا في المحار فيه فلا أشد حيرة من العلماء بالله تعالى، فأعلى ما يصل إليه العلماء في العلم بربهم سبحانه وتعالى مبتدأ البهائم الذي لم تنتقل عن أصله وإن كانت منتقلة في شؤونه بتنقل الشؤون الإلهية لأنها لا تثبت على حال، ولذلك كان من وصفهم سبحانه وتعالى من هؤلاء القوم أضل سبيلا من الأنعام لأنهم يريدون الخروج من الحيرة من طريق فكرهم ونظرهم ولا يمكن لهم ذلك، والبهائم علمت ذلك ووقفت عنده ولم تطل الخروج عنه لشدة علمها بالله تعالى، وذكر أنها ما سميت بهائم إلا لأن أمرا قد أبهم على غالب الخلق فلم يعرفوه كما عرفه أهل الكشف انتهى.
وهو كلام يورث المؤمن به حسدا للبهائم نفعنا الله تعالى بها وأعاذنا من الحسد * (ولله الأسماء الحسنى) * التي يدبر كل أر باسم منها * (فادعوه بها) * (الأعراف: 180) حسب المراتب وأعلاها الدعاء بلسان الفعل وهو التحلي بمعانيها بقدر ما يتصور في حق العبد وذلك حظ المقربين منها، وذكر حجة الإسلام الغزالي قدس سره أن حظوظهم من معاني أسمائه تعالى ثلاثة: الأول: معرفتها على سبيل المكاشفة والمشاهدة حتى يتضح لهم حقائقها بالبرهان الذي لا يجوز فيه الخطأ وينكشف لهم اتصاف الله تعالى بها انكشافا يجري في الوضوح والبيان مجرى اليقين الحاصل للإنسان بصفاته الباطنة التي يدركها بمشاهدة باطنه لا بإحساس ظاهره، وكم بين هذا وبين الاعتقاد المأخوذ من الآباء والمعلمين