تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٧٧
والعدول عن الظاهر إلى خلافه بلا دليل لا يجوز وإن استدلوا بقراءة الجر، قلنا: إنها لا تصلح دليلا لما علمت، والثاني إنه لو عطف * (وأرجلكم) * على محل * (برؤوسكم) * جاز أن نفهم منه معنى الغسل، إذ من القواعد المقررة في العلوم العربية أنه إذا اجتمع فعلان متغايران في المعنى - ويكون لكل منهما متعلق - جاز حذف أحدهما وعطف متعلق المحذوف على متعلق المذكور كأنه متعلقه، ومن ذلك قوله: يا ليت بعلك قد غدا * متقلدا سيفا ورمحا فإن المراد وحاملا رمحا، ومنه قوله: إذا ما الغانيات برزن يوما * وزججن الحواجب والعيونا فإنه أراد وكحلن العيونا، وقوله: تراه كان مولاه يجدع أنفه * وعينيه إن مولاه كان له وفر أي يفقىء عينيه إلى ما لا يحصى كثرة، والثالث: أن جعل الواو بمعنى مع بدون قرينة مما لا يكاد يجوز، ولا قرينة ههنا على أنه يلزمه كما قيل: فعل المسحين معا بالزمان، ولا قائل به بالاتفاق، بقي لو قال قائل: لا أقنع بهذا المقدار في الاستدلال على غسل الأرجل بهذه الآية ما لم ينضم إليها من خارج ما يقوي تطبيق أهل السنة فإن كلامهم وكلام الإمامية في ذلك عسى أن يكون فرسا رهان، قيل له: إن سنة خير الورى صلى الله عليه وسلم وآثار الأئمة رضي الله تعالى عنهم شاهدة على ما يدعيه أهل السنة وهي من طريقهم أكثر من أن تحصى، وأما من طريق القوم، فقد روى العياشي عن علي عن أبي حمزة قال: " سألت أبا هريرة عن القدمين فقال: تغسلان غسلا " وروى محمد بن النعمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: " إذا نسيت مسح رأسك حتى غسلت رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك " وهذا الحديث رواه أيضا الكلبي وأبو جعفر الطوسي بأسانيد صحيحة بحيث لا يمكن تضعيفها ولا الحمل على التقية لأن المخاطب بذلك شيعي خاص، وروى محمد بن الحسن الصفار عن زيد بن علي عن أبيه عن جده أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه أنه قال: " جلست أتوضأ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما غسلت قدمي قال: " يا علي خلل بين الأصابع ". ونقل الشريف الرضي عن أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه في " نهج البلاغة " حكاية وضوئه صلى الله عليه وسلم وذكر فيه غسل الرجلين، وهذا يدل على أن مفهوم الآية كما قال أهل السنة، ولم يدع أحد منهم النسخ ليتكلف لإثباته كما ظنه من لا وقوف له، وما يزعمه الإمامية من نسبة المسح إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأنس بن مالك وغيرهما كذب مفترى عليهم، فإن أحدا منهم ما روي عنه بطريق صحيح أنه جوز المسح، إلا أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فإنه قال بطريق التعجب: " لا نجد في كتاب الله تعالى إلا المسح ولكنهم أبوا إلا الغسل " ومراده أن ظاهر الكتاب يوجب المسح على قراءة الجر التي كانت قراءته، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفعلوا إلا الغسل، ففي كلامه هذا إشارة إلى قراءة الجر مؤلة متروكة الظاهر بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم، ونسبة جواز المسح - إلى أبي العالية وعكرمة والشعبي - زور وبهتان أيضا، وكذلك نسبة الجمع بين الغسل والمسح، أو التخيير بينهما إلى الحسن البصري عليه الرحمة، ومثله نسبة التخيير إلى محمد بن جرير الطبري صاحب " التاريخ " الكبير
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»