وإن كن حربيات كما هو الظاهر، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا يجوز نكاح الحربيات، وخص الآية بالذميات، واحتج له بقوله تعالى: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * (المجادلة: 22) والنكاح مقتض للمودة لقوله تعالى: * (خلق لكم من أنفسكم أزواجا... وجعل بينكم مودة ورحمة) * (الرزم: 21) قال الجصاص: وهذا عندنا إنما يدل على الكراهة، وأصحابنا يكرهون مناكحة أهل الحرب، وذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز عقد نكاح الدوام على الكتابيات لقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (البقرة: 221) ولقوله سبحانه: * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * (الممتحنة: 10) وأولوا هذه الآية بأن المراد من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب اللاتي أسلمن منهن، والمراد من المحصنات من المؤمنات اللاتي كن في الأصل مؤمنات، وذلك أن قوما كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر فبين الله تعالى أنه لا حرج في ذلك، وإلى تفسير المحصنات بمن أسلمن ذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أيضا، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ويأباه النظم، ولذلك زعم بعضهم أن المراد هو الظاهر إلا أن الحل مخصوص بنكاح المتعة وملك اليمين، ووطؤهن حلال بكلا الوجهين عند الشيعة، وأنت تعلم أن هذا أدهى وأمر، ولذلك هرب بعضهم إلى دعوى أن الآية منسوخة باآيتين المتقدمتين آنفا احتجاجا بما رواه الجارود عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه في ذلك، ولا يصح ذلك من طريق أهل السنة، نعم أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات وحرم كل ذات دين غير الإسلام ". أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن جابر بن عبد الله " أنه سئل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال: تزوجناهن زمن الفتح ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا فلما رجعنا طلقناهن. وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه سئل أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ فقال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر الله تعالى المسلمات فإن كان لا بد فاعلا فليعمد إليها حصانا غير مسافحة، قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتبعته ".
* (إذا ءاتيتموهن أجورهن) * أي مهورهن وهي عوض الاستمتاع بهن - كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره - وتقييد الحل بإيتائها لتأكيد وجوبها لا للاحتراز، ويجوز أن يراد بالإيتاء التعهد والالتزام مجازا، ولعله أقرب من الأول، وإن كان المآل واحدا، و * (إذا) * ظرف لحل المحذوف، ويحتمل أن تكون شرطية حذف جوابها أي إذا آتيتموهن أجورهن حللن لكم. * (محصنين) * أي أعفاء بالنكاح وهو منصوب على الحال من فاعل * (آتيتموهن) * وكذا قوله تعالى: * (غير مسافحين) *، وقيل: هو حال من ضمير * (محصنين) *، وقيل: صفة - لمحصنين - أي غير مجاهرين بالزنا، * (ولا متخذيأخدان) * أي ولا مسرين به، والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى، وقيل: الأول: نهى عن الزنا، والثاني: نهى عن مخالطتهن، و * (متخذي) * يحتمل أن يكون مجرورا عطفا على * (مسافحين) * وزيدت لا لتأكيد النفي المستفاد من * (غير) *، ويحتمل أن يكون منصوبا عطفا على * (غير مسافحين) * باعتبار أوجهه الثلاثة.
* (ومن يكفر بالايمان) * أي من ينكر المؤمن به، وهو شرائع الإسلام التي من جملتها ما بين هنا من الأحكام المتعلقة بالحل والحرمة، ويمتنع عن قبولها * (فقد حبط عمله) * أي الذي عمله واعتقد أنه قربة له إلى الله تعالى.