تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٤٢
المقربين عليهم السلام، وقد ترك ذكر أحد الفريقين في المفصل تعويلا على إنباء التفصيل عنه وثقة بظهور اقتضاء حشر أحدهما لحشر الآخر ضرورة عموم الحشر للخلائق أجمعين كما ترك ذكر أحد الفريقين في التفصيل عند قوله تعالى: * (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به) * (النساء: 175) مع عموم الخطاب لهما ثقة بمثل ذلك فلا يقال: التفصيل غير مطابق للمفصل لأنه اشتمل على الفريقين والمفصل على فريق واحد، وقيل في توجيه المطابقة: إن المقصود من الحشر المجازاة [بم ويكون قوله تعالى:
* (فأما الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) *.
* (فأما الذين ءامنوا وعملوا الص‍الحات فيوفيهم أجورهم) * الخ تفصيلا للجزاء كأنه قيل: ومن يستنكف عن عبادته فسيعذب بالحسرة إذا رأى أجور العاملين وبما يصيبه من عذاب الله تعالى، فالضمير راجع إلى المستنكفين المستكبرين لا غير وقد روعي لفظ من ومعناها. وتعقب العلامة التفتازاني ذلك بأنه غير مستقيم لأن دخول (أما) على الفريقين لا على قسمي الجزاء، وأورد هذا الفريق بعنوان الإيمان والعمل الصالح لا بوصف عدم الاستنكاف المناسب لما قبله وما بعده للتنبيه على أنه المستتبع لما يعقبه من الثمرات، ومعنى توفيتهم أجورهم إيتاؤهم إياها من غير أن ينقص منها شيئا أصلا، وقرىء * (فسيحشرهم) * بكسر الشين وهي لغة، وقرىء - فسنحشرهم - بنون العظمة، وفيه التفات.
* (ويزيدهم من فضله) * بتضعيف أجورهم أضعافا مضاعفة وبإعطائهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في " الحلية ". والإسماعيلي في " معجمه " بسند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوفيهم أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت لهم النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا " * (وأما الذين استنكفوا) * عن عبادة الله تعالى * (واستكبروا) * عنها * (فيعذبهم) * بسبب ذلك * (عذابا أليما) * لا يحيط به الوصف * (ولا يجدون لهم من دون الله وليا) * يلي أمورهم ويدبر مصالحهم * (ولا نصيرا) * ينصرهم من بأسه تعالى وينجيهم من عذابه سبحانه..
* (ي‍اأيها الناس قد جآءكم برهان من ربكم وأنزلنآ إليكم نورا مبينا) *.
* (يا أيها الناس) * خطاب لكافة المكلفين إثر بيان بطلان ما عليه الكفرة من فنون الكفر والضلال وإلزامهم (بالبراهين القاطعة) بما تخر له صم الجبال، وفيه تنبيه لهم على أن الحجة قد تمت فلم يبق بعد ذلك علة لمتعلل ولا عذر لمعتذر * (قد جاءكم) * أتاكم ووصل إليكم * (برهان من ربكم) * أي حجة قاطعة، والمراد بها المعجزات على ما قيل.
وأخرج ابن عساكر عن سفيان الثوري عن أبيه عن رجل لا يحفظ اسمه أن المراد بالبرهان هو النبي صلى الله عليه وسلم، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وعبر عنه عليه الصلاة والسلام بذلك لما معه من المعجزات التي تشهد بصدقه صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد بذلك دين الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والتنوين للتفخيم، و - من - لابتداء الغاية مجازا وهي متعلقة - بجاء - أو بمحذوف وقع صفة مشرفة - لبرهان - مؤكدة لما أفاده التنوين، وجوز أن تكون تبعيضية بحذف المضاف أي كائن من براهين ربكم، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإفاضة إلى ضمير المخاطبين لإظهار اللطف بهم والإيذان بأن مجىء ذلك لتربيتهم وتكميلهم. * (وأنزلنا إليكم) * بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عدم ذكر الواسطة إظهار لكمال اللطف بهم ومبالغة في الإعذار * (نورا مبينا) * وهو القرآن - كما قاله قتادة ومجاهد والسدي - واحتمال إرادة الكتب السابقة الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم بعيد غاية البعد، وإذا كان المراد من البرهان القرآن أيضا فقد سلك
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»