تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٨٦
- كما روي عن الربيع - وهم الذين أسلموا منهم وتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم - كما قال مجاهد والسدي وابن زيد - واختاره الجبائي، وأولئك - كعبد الله بن سلام وأضرابه من اليهود - وثمانية وأربعون من النصارى، وقيل: المراد بهم النجاشي وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، والجملة مستأنفة مبنية على سؤال نشأ من مضمون الشرطيتين المصدرتين بحرف الامتناع الدالتين على انتفاء الإيمان والإتقاء والإقامة المذكورات كأنه قيل: هل كلهم مصرون على عدم الإيمان وأخويه؟ فقيل: * (منهم) * الخ، وتفسير الاقتصاد بالتوسط في العداوة بعيد، * (وكثير منهم) * وهم الأجلاف المتعصبون - ككعب بن الأشرف وأشباهه والروم -. * (ساء ما يعملون) * من العناد والمكابرة وتحريف الحق والإعراض عنه. وقيل: من الإفراط في العداوة * (وكثير) * مبتدأ، و * (منهم) * صفته، و * (ساء) * كبئس للذم.
وعن بعض النحاة أن فيها معنى التعجب - كقضو زيد - أي ما أقضاه، فالمعنى هنا ما أسوأ عملهم، وبعضهم يقول: هي لمجرد الذم والتعجب مأخوذ من المقام، وتمييزها محذوف، و * (ما) * موصولة فاعل لها أي ساء عملا الذي يعملونه، ويجوز أن تكون * (ما) * نكرة في موضع التمييز، والجملة الإنشائية خبر للمبتدأ، والكلام في ذلك شهير. هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة) * أي صلاة الشهود والحضور الذاتي * (ويؤتون الزكاة) * أي زكاة وجودهم * (وهم راكعون) * (المائدة: 55) أي خاضعون في البقاء بالله. والآية عند معظم المحدثين نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه، والإمامية - كما علمت - يستدلون بها على خلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فصل، وقد علمت منا ردهم - والحمد لله سبحانه - رد كلام، وكثير من الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم يشير إلى القول بخلافته كرم الله تعالى وجهه بعد الرسول عليه الصلاة والسلام بلا فصل أيضا إلا أن تلك الخلافة عندهم هي الخلافة الباطنة التي هي خلافة الإرشاد والتربية والإمداد والتصرف الروحاني لا الخلافة الصورية التي هي عبارة عن إقامة الحدود الظاهرة وتجهيز الجيوش والذب عن بيضة الإسلام ومحاربة أعدائه بالسيف والسنان، فإن تلك عندهم على الترتيب الذي وقع كما هو مذهب أهل السنة، والفرق عندهم بين الخلافتين كالفرق بين القشر واللب، فالخلافة الباطنة لب الخلافة الظاهرة، وبها يذب عن حقيقة الإسلام، وبالظاهرة يذب عن صورته، وهي مرتبة القطب في كل عصر، وقد تجتمع مع الخلافة الظاهرة كما اجتمعت في علي كرم الله تعالى وجهه أيام أمارته، وكما تجتمع في المهدي أيام ظهوره، وهي والنبوة رضيعا ثدي، وإلى ذلك الإشارة بما يروونه عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: " خلقت أنا وعلى من نور واحد " وكانت هذه الخلافة فيه كرم الله تعالى وجهه على الوجه الأتم. ومن هنا كانت سلاسل أهل الله عز وجل منتهية إليه إلا ما هو أعز من بيض الأنوق، فإنه ينتهي إلى الصديق رضي الله تعالى عنه كسلسلة ساداتنا النقشبندية نفعنا الله تعالى بعلومهم، ومع هذا ترد عليه كرم الله تعالى وجهه أيضا، وبتقسيم الخلافة إلى هذين القسمين جمع بعض العارفين بين الأحاديث المشعرة أو المصرحة بخلافة الأئمة الثلاثة رضي الله تعالى عنهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الترتيب المعلوم، وبين الأحاديث المشعرة أو المصرحة بخلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه بعده عليه الصلاة والسلام بلا فصل، فحمل الأحاديث الواردة في خلافة الخلفاء
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»