تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٥٧
وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة عن عطية بن سعد قال: " جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم وإني أبرأ إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من ولاية يهود وأتولى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي " فنزلت.
* (بعضهم أولياء بعض) * أي بعض اليهود أولياء لبعض منهم، وبعض النصارى أولياء لبعض منهم، وأوثر الإجمال لوضوح المراد بظهور أن اليهود لا يوالون النصارى كالعكس، والجملة مستأنفة تعليلا للنهي قبلها وتأكيدا لإيجاب اجتناب المنهي عنه أي بعضهم أولياء بعض متفقون على كلمة واحدة في كل ما يأتون وما يذرون، ومن ضرورة ذلك إجماع الكل على مضادتكم ومضارتكم بحيث يسومونكم السوء ويبغونكم الغوائل، فكيف يتصور بينكم وبينهم موالاة، وزعم الحوفي أن الجملة في موضع الصفة لأولياء، والظاهر هو الأول.
وقوله تعالى: * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * أي من جملتهم، وحكمه حكمهم كالمستنتج مما قبله، وهو مخرج مخرج التشديد والمبالغة في الزجر لأنه لو كان المتولي منهم حقيقة لكان كافرا وليس بمقصود، وقيل: المراد ومن يتولهم منكم فإنه كافر مثلهم حقيقة، وحكي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولعل ذلك إذا كان توليهم من حيث كونهم يهودا أو نصارى، وقيل: لا بل لأن الآية نزلت في المنافقين، والمراد أنهم بالموالاة يكونون كفارا مجاهرين.
وقوله سبحانه: * (إن الله لا يهدي القوم الظ‍المين) * أنفسهم بموالاة الكفار أو المؤمنين بموالاة أعدائهم، تعليل آخر على ما قيل: يتضمن عدم نفع موالاة الكفرة بل ترتب الضرر عليها، وقيل: هو تعليل لكون من يتولاهم منهم أي لا يهديهم إلى الإيمان بل يخليهم وشأنهم فيقعون في الكفر والضلالة، وإنما وضع المظهر موضع ضميرهم تنبيها على أن توليهم ظلم لما أنه تعريض للنفس للعذاب الخالد ووضع للشيء في غير موضعه..
* (فترى الذين فى قلوبهم مرض يس‍ارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دآئرة فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على مآ أسروا فىأنفسهم ن‍ادمين) *.
وقوله تعالى: * (فترى الذين في قلوبهم مرض) * أي نفاق - كعبد الله بن أبي وأضرابه - كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بيان لكيفية توليتهم وإشعار بسببه؛ وبما يؤول إليه أمرهم، والفاء للإيذان بترتبه على عدم الهداية وهي للسببية المحضة. وجوز الكرخي كونها للعطف على * (إن الله) * (المائدة: 51) الخ من حيث المعنى، والخطاب إما للرسول صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين، وإما لكل من له أهلية، والإتيان بالموصول دون ضمير القوم ليشار بما في حيز الصلة إلى أن ما ارتكبوه من التولي بسبب ما (كمن من المرض). والرؤية إما بصرية.
وقوله تعالى: * (يس‍ارعون فيهم) * حال من (المفعول) وهو الأنسب بظهور نفاقهم، وإما قلبية والجملة في موضع المفعول الثاني، والمراد على التقديرين مسارعين في موالاتهم إلا أنه قيل فيهم مبالغة في بيان رغبتهم فيها وتهالكهم عليها، وإيثار كلمة * (في) * على كلمة - إلى - للدلالة على أنهم مستقرون في الموالاة، وإنما مسارعتهم من بعض مراتبها إلى بعض آخر منها. وفسر الزمخشري المسارعة بالانكماش لكثرة استعماله بفي، وعدل عنه بعض المحققين لكونه تفسيرا بالأخفى. واختير أن تعدى المسارعة هنا بإلى لتضمنها معنى الدخول، وقرىء - فيرى - بياء الغيبة على أن الضمير - كما قال أبو البقاء - لله تعالى، وقيل: لمن يصح منه الرؤية، وقيل: الفاعل هو الموصول، والمفعول هو الجملة على حذف أن المصدرية، والرؤية قلبية أي فيرى القوم الذين في قلوبهم مرض أن يسارعوا فيهم فلما حذفت
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»