تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٧٣
سورة آل عمران وهي مائتا آية. أخرج ابن الضريس والنحاس والبيهقي من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت بالمدينة، واسمها في التوراة - كما روى سعيد بن منصور - طيبة، وفي " صحيح مسلم " - تسميتها والبقرة الزهراوين - وتسمى الأمان. والكنز والمعنية والمجادلة وسورة الاستغفار، ووجه مناسبتها لتلك السورة أن كثيرا من مجملاتها تشرح بما في هذه السورة وأن سورة البقرة بمنزلة إقامة الحجة وهذه بمنزلة إزالة الشبهة ولهذا تكرر فيها ما يتعلق بالمقصود الذي هو بيان حقية الكتاب من إنزال الكتاب وتصديقه للكتب قبله والهدى إلى الصراط المستقيم، وتكررت آية * (قولوا آمنا بالله وما أنزل) * (البقرة: 136) بكمالها ولذلك ذكر في هذه ما هو تال لما ذكر في تلك أو لازم له، فذكر هناك خلق الناس، وذكر هنا تصويرهم في الأرحام، وذكر هناك مبدأ خلق آدم، وذكر هنا مبدأ خلق أولاده؛ وألطف من ذلك أنه افتتح البقرة بقصة آدم وخلقه من تراب ولا أم، وذكر في هذه نظيره في الخلق من غير أب وهو عيسى، ولذلك ضرب له المثل بآدم، واختصت البقرة بآدم لأنها أول السور وهو أول في الوجود وسابق، ولأنها الأصل وهذه كالفرع والتتمة لها فاختصت بالأغرب، ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم ما قالوا وأنكروا وجود ولد بلا أب ففوتحوا بقصة آدم لتثبت في أذهانهم فلا تأتي قصة عيسى إلا وقد ذكر عندهم ما يشهد لها من جنسها، ولأن قصة عيسى قيست على قصة آدم والمقيس عليه لا بد وأن يكون معلوما لتتم الحجة بالقياس فكانت قصة آدم - والسورة التي هي فيها - جديرة بالتقديم.
وقد ذكر بعض المحققين من وجوه التلازم بين الصورتين أنه قال في البقرة (24) في صفة النار: * (أعدت للكافرين) * مع افتتاحها بذكر المتقين والكافرين معا، وقال في آخر هذه: * (وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) * (آل عمران: 133) فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة، ومما يقوي المناسبة والتلازم بينهما أن خاتمة هذه مناسبة لفاتحة تلك لأن الأولى افتتحت بذكر المتقين وأنهم المفلحون وختمت هذه بقوله تعالى: * (واتقوا الله لعلكم تفلحون) * (آل عمران: 200) وافتتحت الأولى بقوله سبحانه: * (الذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) * (البقرة: 4) وختمت آل عمران (199) بقوله تعالى: * (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم) * وقد ورد أن اليهود قالوا لما نزل * (من ذا الذي يقرض الله) * (البقرة: 245) الآية: يا محمد افتقر ربك يسأل عباده القرض فنزل * (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) * (آل عمران: 181) وهذا مما يقوي التلازم أيضا، ومثله أنه وقع في البقرة (129) حكاية قول إبراهيم: * (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم) * الآية وهنا * (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) * (آل عمران: 164) الآية إلى غير ذلك.
* (الم * الله لا إل‍اه إلا هو الحى القيوم) *.
قرأ أبو جعفر والأعشى والبرجمي عن أبي بكر عن عاصم بسكون الميم وقطع الهمزة ولا إشكال فيها لأن طريق التلفظ فيما لا تكون من هذه الفواتح مفردة - كص - ولا موازنة المفرد - كحم - حسبما ذكر في الكتاب الحكاية فقط ساكنة الإعجاز على الوقف سواء جعلت أسماء، أو مسرودة على نمط التعديد وإن لزمها التقاء الساكنين لما أنه مغتفر في باب الوقف قطعا، ولذا ضعفت قراءة عمرو بن عبيد بكسر الميم، والجمهور يفتحون الميم ويطرحون الهمزة من الاسم الكريم قيل:
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»