تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٧٧
به لكثرة التنازع فيه - كذا قيل - ولا يخفى أن أمر الاشتقاق والوزن على تقدير عربية اللفظين ظاهر، وأما على تقدير - أنهما أعجميان أولهما عبراني والآخر سرياني وهو الظاهر - فلا معنى له على الحقيقة لأن الاشتقاق من ألفاظ أخر أعجمية مما لا مجال لإثباته، ومن ألفاظ عربية كما سمعت استنتاج للضب من الحوت فلم يبق إلا أنه بعد التعريب أجروه مجرى أبنيتهم في الزيادة والأصالة وفرضوا له أصلا ليتعرف ذلك كما أشرنا إليه فيما قبل، والاستدلال - على عربيتهما بدخول اللام لأن دخولها في الأعلام العجمية محل نظر - محل نظر لأنهم ألزموا بعض الأعلام الأعجمية الألف واللام علامة للتعريف - كما في الإسكندرية - فإن أبا زكريا التبريزي قال: إنه لا يستعمل بدونها مع الاتفاق على أعجميته. ومما يؤيد أعجمية " الإنجيل " ما روي عن الحسن أنه قرأه بفتح الهمزة، وأفعيل ليس من أبنية العرب.
* (من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بأي‍ات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) *.
* (من قبل) * متعلق - بأنزل - أي أنزلهما من قبل تنزيل الكتاب، وقيل: من قبلك والتصريح به مع ظهور الأمر للمبالغة في البيان كذا قالوا برمتهم، وأنا أقول التصريح به للرمز إلى أن إنزالهما متضمن للإرهاص لبعثته صلى الله عليه وسلم حيث قيد الإنزال المقيد بمن قبل بقوله سبحانه: * (هدى للناس) * أي أنزلهما كذلك لأجل هداية الناس الذين أنزلا عليهم إلى الحق الذي من جملته الإيمان به صلى الله عليه وسلم واتباعه حيث يبعث لما اشتملتا عليه من البشارة به والحث على طاعته عليه الصلاة والسلام والهداية بهما بعد نسخ أحكامهما بالقرآن إنما هي من هذا الوجه لا غير، والقول بأنه يهتدى بهما أيضا فيما عدا الشرائع المنسوخة من الأمور التي يصدقها القرآن - ليس بشيء لأن الهداية إذ ذاك بالقرآن المصدق لا بهما كما لا يخفى على المنصف، ويجوز أن ينتصب (هدى) على أنه حال منهما والإفراد لما أنه مصدر جعلا نفس الهدى مبالغة أو حذف منه المضاف أي ذوي هدى، وجعله حالا من * (الكتاب) * (آل عمران: 3) مما لا ينبغي أن يرتكب معه.
* (وأنزل الفرقان) * أخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه القرآن فرق به بين الحق والباطل فأحل فيه حلاله وحرم حرامه وشرع شرائعه وحد حدوده وفرائضه وبين بيانه وأمر بطاعته ونهى عن معصيته، وذكر بهذا العنوان بعد ذكره باسم الجنس تعظيما لشأنه ورفعا لمكانه، وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير أنه الفاصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى عليه السلام وغيره، وأيد هذا بأن صدر السورة كما قدمنا نزلت في محاجة النصارى للنبي صلى الله عليه وسلم في أمر أخيه عيسى عليه السلام وعليه يكون المراد - بالفرقان - بعض القرآن ولم يكتف باندراجه في ضمن الكل اعتناءا به، ومثل هذا القول ما روي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أن المراد به كل آية محكمة، وقيل: المراد به جنس الكتب الإلهية عبر عنها بوصف شامل لما ذكر منها وما لم يذكر على طريق التتميم بالتعميم إثر تخصيص بعض مشاهيرها بالذكر، وقيل: نفس الكتب المذكورة أعيد ذكرها بوصف خاص لم يذكر فيما سبق على طريق العطف بتكرير لفظ الإنزال تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي، وقيل: المراد به الزبور وتقديم الإنجيل عليه مع تأخره عنه نزولا لقوة مناسبته للتوراة في الاشتمال على الأحكام وشيوع اقترانهما في الذكر، واعترض بأن الزبور مواعظ فليس فيه ما يفرق بين الحق والباطل من الأحكام، وأجيب بأن المواعظ لما فيها من الزجر والترغيب فارقة أيضا ولخفاء الفرق فيها خصت بالتوصيف به، وأورد عليه بأن ذكر الوصف دون الموصوف يقتضي شهرته به حتى يغني عن ذكر موصوفه والخفاء إنما يقتضي إثبات الوصف دون التعبير به، وقيل: المراد به المعجزات المقرونة بإنزال الكتب المذكورة الفارقة بين المحق
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»