تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٦٨
منهم على حياله - آمن - * (بالله) * أي صدق به وبصفاته ونفى التشبيه عنه وتنزيهه عما لا يليق بكبريائه من نحو الشريك في الألوهية والربوبية وغير ذلك * (ومل‍ائكته) * من حيث إنهم معصومون مطهرون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون من شأنهم التوسط بينه تعالى وبين الرسل بإنزال الكتب وإلقاء الوحي ولهذا ذكروا في النظم قبل قوله تعالى: * (وكتبه ورسله) * أي من حيث مجيئهما منه تعالى على وجه يليق بشأن كل منهما ويلزم الإيمان التفصيلي فيما علم تفصيلا من كل من ذلك والإجمالي فيما علم إجمالا وإنما لم يذكر ههنا الإيمان باليوم الآخر كما ذكر في قوله تعالى: * (ولكن البر من آمن) * (البقرة: 177) الخ لاندراجه في الإيمان بكتبه والثواني كثيرا ما يختصر فيها، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - وكتابه - بالإفراد فيحتمل أن يراد به القرآن بحمل الإضافة على العهد أو يراد الجنس فلا يختص به والفرق بينه وبين الجمع - على ما ذهب إليه إمام الحرمين، والزمخشري - وروي عن الإمام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - أن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع لأن المفرد يتناول جميع الآحاد ابتداءا فلا يخرج عنه شيء منه قليلا أو كثيرا بخلاف الجمع فإنه يستغرق الجموع أولا وبالذات ثم يسري إلى الآحاد - وهذا المبحث من معضلات علم المعاني - وقد فرغ من تحقيقه هناك.
* (لا نفرق بين أحد من رسله) * في حيز النصب بقول مقدر مسند إلى ضمير * (كل) * مراعى فيه اللفظ فيفرد أو المعنى فيجمع - ولعله أولى - والجملة منصوبة المحل على أنها حال من ضمير * (آمن) * أو مرفوعة على أنها خبر آخر - لكل - أي يقولون، أو يقول: لا نفرق بين رسل الله تعالى بأن نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل أهل الكتابين بل نؤمن بهم جميعا ونصدق بصحة رسالة كل واحد منهم وقيدوا إيمانهم بذلك تحقيقا للحق وتنصيصا على مخالفة أولئك المفرقين من الفريقين بإظهار الإيمان بما كفروا به فلعنة الله على الكافرين.
ومن هنا يعلم أن القائلين هم آحاد المؤمنين خاصة إذ يبعد أن يسند إليه صلى الله عليه وسلم أن يقول لا أفرق بين أحد من رسله وهو يريد إظهار إيمانه برسالة نفسه وتصديقه في دعواها، ومن اعتبر إدراج الرسول في * (كل) * واستبعد هذا قال بالتغليب ههنا، ومن لم يستبعد إذ كان صلى الله عليه وسلم يأتي بكلمة الشهادة كما يأتي بها سائر الناس أو يبدل العلم فيها بضمير المتكلم لم يحتج إلى القول بالتغليب، وعدم التعرض لنفي التفريق بين الكتب لاستلزام المذكور إياه وإنما لم يعكس مع تحقق التلازم لما أن الأصل في تفريق المفرقين هو الرسل وكفرهم بالكتب متفرع على كفرهم بهم وإيثار إظهار الرسل على الإضمار الواقع مثله في قوله تعالى: * (وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم) * (البقرة: 136) إما للاحتراز عن توهم اندراج الملائكة ولو على بعد في الحكم وهو وإن لم يكن فيه بأس إلا أنه ليس في التعرض له كثير جدوى إذ لا مزاحم في الظاهر، وإن كان فقليل أو للإشعار بعلة عدم التفريق للإيماء إلى عنوانه لأن المعتبر عدم التفريق من حيث الرسالة دون سائر الحيثيات وقرأ يعقوب، وأبو عمرو في رواية عنه - لا يفرق - بالياء على لفظ * (كل) * وقرىء لا يفرقون حملا على معناه، والجملة نفسها حينئذ حال أو خبر على نحو ما تقدم في القول المقدر ولا حاجة إليه هنا، والكلام على * (أحد) * وإدخال * (بين) * عليه قد سبق في تفسير قوله تعالى: * (لا نفرق بين أحد منهم) * (البقرة: 136) * (وقالوا) * عطف على * (آمن) * والجمع باعتبار المعنى وهو حكاية لامتثالهم الأوامر والنواهي إثر حكاية إيمانهم * (سمعنا) * أي أجبنا وهو المعنى
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»