تقدير الخبر ذهب الأكثر منهم إلى أن * (لا) * هذه لا خبر لها، واعترض بأنه يلزم حينئذ انتفاء الحكم والعقد وهو باطل قطعا ضرورة اقتضاء التوحيد ذلك، وأجيب بأن القول بعدم الاحتياج لا يخرج المركب من * (لا) * واسمها عن العقد لأن معناه انتفى هذا الجنس من غير هذا الفرد وإلا عند هؤلاء بمعنى غير تابعة لمحل اسم * (لا) * وظهر إعرابها فيما بعدها ولا مجال لجعلها للاستثناء إذ لو كانت له لما أفاد الكلام التوحيد لأن حاصله حينئذ أن هذا الجنس على تقدير عدم دخول هذا الفرد فيه منتف فيفهم منه عدم انتفاء أفراد غير خارج عنها ذلك وهو بمعزل عن التوحيد كما لا يخفى، واستشكل الإبدال من جهتين، الأول: أنه بدل بعض ولا ضمير للمبدل منه وهو شرط فيه، الثاني: أن بينهما مخالفة فإن البدل موجب والمبدل منه منفي، وأجيب عن الأول: بأن * (إلا) * تغني عن الضمير لإفهامها البعضية، وعن الثاني: بأنه بدل عن الأول في عمل العامل، وتخالفهما في الإيجاب والنفي لا يمنع البدلية على أنه لو قيل: إن البدل في الاستثناء على حدة لم يبعد. والثاني: من القولين الأولين وهو القول بخبرية ما بعد * (إلا) * ذهب إليه جماعة وضعف بأنه يلزم عمل (لا) في المعارف وهي لا تعمل فيها وبأن اسمها عام وما بعد (إلا) خاص فكيف يكون خبرا، وقد قالوا: بامتناع الحيوان إنسان، وأجيب عن الأول: بأن * (لا) * لا عمل لها في الخبر على رأي سيبويه وأنه حين دخولها مرفوع بما كان مرفوعا به قبل فلم يلزم عملها في المعرفة وهو كما ترى، وعن الثاني: بأنا لا نسلم أن في التركيب قد أخبر بالخاص عن العام إذ العموم منفي والكلام مسوق العموم، والتخصيص بواحد من أفراد ما دل عليه العام وفيه ما فيه. وأما الأقوال الثلاثة التي لا يعول عليها فأولها: أن (إلا) ليست أداة استثناء وإنما هي بمعنى غير وهي مع اسمه تعالى شأنه صفة لا إسم لا باعتبار المحل، والتقدير لا إله غير الله تعالى في الوجود، وثانيها: - وقد نسب للزمخشري - أن لا إله في موضع الخبر و * (إلا) * وما بعدها في موضع المبتدأ، والأصل هو، أو الله إله فلما أريد قصر الصفة على الموصوف قدم الخبر وقرن المبتدأ بإلا إذ المقصور عليه هو الذي يلي * (إلا) * والمقصور هو الواقع في سياق النفي، والمبتدأ إذا اقترن بإلا وجب تقديم الخبر عليه كماقرر في موضعه، وثالثها: أن ما بعد * (إلا) * مرفوع بإله كما هو حال المبتدأ إذا كان وصفا لأن إلها بمعنى مألوه فيكون قائما مقام الفاعل وسادا مسد الخبر كما في ما مضروب العمران، ويرد على الأول: أن فيه خللا من جهة المعنى لأن المقصود من الكلمة أمران نفي الإلهية عن غيره تعالى وإثباتها له سبحانه وهذا إنما يتم إذا كان * (إلا) * فيها للاستثناء إذ يستفاد النفي والإثبات حينئذ بالمنطوق، وأما إذا كانت بمعنى غير فلا يفيد الكلام بمنطوقه إلا نفي الإلهية عن غيره تعالى، وأما إثباتها له عن اسمه فلا يستفاد من التركيب واستفادته من المفهوم لا تكاد تقبل لأنه إن كان مفهوم لقب فلا عبرة به ولو عند القائلين بالمفهوم إذ لم يقل به إلا الدقاق وبعض الحنابلة، وإن كان مفهوم صفة فمن البين أنه غير مجموع عليه، ويرد على الثاني: أنه مع ما فيه من التمحل يلزم منه أن يكون الخبر مبنيا مع * (لا) * وهي لا يبنى معها إلا المبتدأ، وأيضا لو كان الأمر كما ذكر لم يكن لنصب الاسم الواقع بعد * (إلا) * في مثل هذا التركيب وجه، وقد جوزه فيه جماعة، وعلى الثالث: أنا لا نسلم أن إلها وصف وإلا لوجب إعرابه وتنوينه ولا قائل به. هذا ولي إن شاء الله تعالى عودة بعد عودة إلى ما في هذه الكلمة الطيبة من الكلام.
وفي قوله تعالى: * (الحي) * سبعة أوجه من وجوه الإعراب: الأول: أن يكون خبرا ثانيا للفظ الجلالة، الثاني: أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف أي هو الحي، الثالث: أن يكون بدلا من قوله سبحانه: * (لا إله إلا هو) *، الرابع: أن يكون