تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٧٥
* (وإنك لمن المرسلين) * حيث تخبر بتلك الآيات وقصص القرون الماضية وأخبارها على ما هي عليه من غير مطالعة كتاب ولا اجتماع بأحد يخبر بذلك. ووجه مناسبة هذه القصة لما قبلها ظاهرة وذلك لأنه تعالى لما أمر المؤمنين بالقتال في سبيله وكان قد قدم قبل ذلك قصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت إما بالطاعون أو القتال على سبيل التشجيع والتثبيت للمؤمنين والإعلام أنه لا ينجي حذر من قدر أردف ذلك بأن القتال كان مطلوبا مشروعا في الأمم السابقة فليس من الأحكام التي خصصتم بها لأن ما وقع فيه الاشتراك كانت النفس أميل لقبوله من التكليف الذي يقع به الانفراد.
هذا ومن باب الإشارة في هذه الآيات: (ألم ترى إلى) ملأ القوى (من بني إسرائيل) البدن (من بعد موسى) القلب (إذ قالوا لنبي) عقولهم * (ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) * وطريق الوصول إليه بواسطة أمره وإرشاده * (قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا) * أي إني أتوقع منكم عدم المقاتلة لانغماسكم في أوحال الطبيعة * (قالوا وما لنا ألا نقاتل) * في طريق السير إلى الله تعالى، (وقد أخرجنا) من ديار استعداداتنا الأصلية التي لم نزل بالحنين إليها؛ واغتربنا عن أبناء كمالاتنا اللاتي لم نبرح عن مزيد البكاء عليها (فلما كتب عليهم القتال) لعدوهم الذي تسبب لهم الاغتراب وأحل بهم العجب العجاب تولوا وأعرضوا عن مقاتلته وانتظموا في سلك شيعته * (إلا قليلا منهم) * وهم القوى المستعدة * (والله عليم بالظالمين) * (البقرة: 246) الذين نقصوا حظوظهم * (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت) * الروح الإنساني ملكا متوجا بتاج الأنوار الإلهية جالسا على كسرى التدبيرات الصمدانية * (قالوا) *: لاحتجابهم بحجاب الأنانية وغفلتهم عن العلوم الحقانية كيف يكون له الملك علينا مع انحطاط مرتبته بتنزله إلى عالم الكثافة من عالمه الأصلي وليس فيه مشابهة لنا * (ونحن أحق بالملك منه) * لاشتراكنا في عالمنا ومشابهة بعضنا بعضا وشبيه الشيء ميال إليه قريب اتباعه له: ولكل شيء آفة من جنسه * (ولم يؤت سعة) * من مال التصرف إذ لا يتصرف إلا بالواسطة * (قال إن الله تعالى) * اختاره عليكم لبساطته وتركبكم وزاده سعة في العلم الإلهي وقوة في الذات النوراني، * (والله يؤتي ملكه من يشاء) * فيدبره بإذنه، * (والله واسع) * لسعة الإطلاق، * (عليم) * (البقرة: 247) بالحكم التي تقتضي الظهور والتجلي بمظاهر الأسماء، * (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه) * عليكم وخلافته من قبل الرب فيكم * (أن يأتيكم) * تابوت الصدر * (فيه سكينة) * أي طمأنينة من * (ربكم) * وهي الطمأنينة بالإيمان والأنس بالله تعالى، * (وبقية مما ترك آل موسى) * القلب * (وآل هارون) * السر، وهي من التوحيد وعصا لا إله إلا الله التي تلقف عظيم سحر صفات النفس وطست تجلي الأنوار الذي يغسل به قلوب الأنبياء وشيء من توراة الإلهامات * (تحمله) * (البقرة: 248) ملائكة الاستعدادات لدى طالوت الروح فعند ذلك تسلم له الخلافة وينقاد له جميع أسباط صفات الإنسان، * (فلما فصل طالوت) * وجنوده من وزير العقل ومشير القلب ومدبر الأفهام ونظام الحواس * (قال إن الله مبتليكم بنهر) * الطبيعة الجسمانية المترع بمياه الشهوات * (فمن شرب منه) * وكرع مفرطا في الري فليس من أشياعي الذين هم من عالم الروحانيات وأهل مكاشفات الصفات * (ومن لم يطعمه) * ويذقه فإنه من سكان حظائر القدس وحضار جلوة عرائس منصة الأنس * (إلا من اغترف غرفة بيده وقنع من ذلك بقدر الضرورة ولاحتياج من غير حرص وانهماك * (فشربوا منه) * وكرعوا وانهمكوا فيه * (إلا قليلا منهم) * وهم المتنزهون عن الأقذار الطبيعية المتقدسون عن ملابسها المتجردون عن غواشيها وقليل ما هم فلما جاوز طالوت الروح نهر الطبيعة وعبره * (هو والذين آمنوا) * من القلب والعقل والملك وغيرهم من اتباع الروح * (معه) *، قال بعضهم وهم الضعفاء الذين
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 » »»