بأختها الصلاة في عدة مواضع من القرآن ومن التبعضية حينئذ مما لا يسئل عن سرها إذ الزكاة المفروضة لا تكون بجميع المال وأماإذا كان المراد بالانفاق مطلقه الأعم مثلا ففائدة إدخالها الإشارة إلى أن إنفاق بعض المال يكفي في اتصاف المنفق بالهداية والفلاح ولا يتوقف على إنفاق جميع المال وقول مولانا البيضاوي تبعا للزمخشري: إنه للكف عن الاسراف المنهي عنه مخصوص بمن لم يصبر على الفاقة ويتجرع مرارة الإضافة وإلا فقد تصدق الصديق رضي الله تعالى عنه بجميع ماله ولم ينكره عليه صلى الله عليه وسلم لعلمه بصبره واطلاعه على ما وقر في صدره، و (من) ههنا لما قيل للحسن بن سهل لا خير في الإسراف قال لا إسراف في الخير، وقيل النكتة في إدخال (من) التبعضية هي أن الرزق أعم من الحلال والحرام فأدخلت إيذانا بأن الانفاق المعتد به ما يكون من الحلال وهو بعض من الرزق، و (ما) في الآية إما موصولة أو مصدرية أو موصوفة والأول أولى فالعائد محذوف، واستشكل بأنه إن قدر متصلا يلزم اتصال ضميرين متحدي الرتبة والانفصال في مثله واجب وإن قدر منفصلا امتنع حذفه إذ قد أوجبوا ذكر المنفصل معللين بأنه لم ينفصل إلا لغرض وإذا حذفت فاتت الدلالة عليه، وأجيب على اختيار كل. أما الأول: فبأنه لما اختلف الضميران جمعا وإفرادا جاز اتصالهما وإن اتحدا رتبة كقوله: لوجهك في الإحسان بسط وبهجة * أنا لهماه قفو أكرم والد وأيضا لا يلزم من منع ذلك ملفوظا به منعه مقدرا لزوال القبح اللفظي، وأما الثاني: فبأن الذي يمنع حذفه ما كان منفصلا لغرض معنوي كالحصر لا مطلقا كما قال ابن هشام في " الجامع الصغير " وأشار إليه غير واحد وكتبت (من) متصلة بما محذوفة النون لأن الجار والمجرور كشيء واحد وقد حذفت النون لفظا فناسب حذفها في الخط قاله في " البحر " وجعل سبحانه صلات * (الذين) * أفعالا مضارعة ولم يجعل الموصول أل فيصله باسم الفاعل لأن المضارع فيما ذكره البعض مشعر بالتجدد والحدوث مع ما فيه هنا من الاستمرار التجددي وهذه الأوصاف متجددة في المتقين واسم الفاعل عندهم ليس كذلك، ورتبت هذا النحو من الترتيب لأن الأعمال إما قلبية وأعظمها اعتقاد حقيقة التوحيد والنبوة والمعاد إذ لولاه كانت الأعمال كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء أو قالبية وأصلها الصلاة لأنها الفارقة بين الكفر والإسلام وهي عمود الدين ومعراج الموحدين والأم التي يتشعب منها سائر الخيرات والمبرات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " وجعلت قرة عيني في الصلاة " وقد أطلق الله تعالى عليها الإيمان كما قاله جمع من المفسرين في قوله تعالى: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * (البقرة: 143) أو مالية وهي الانفاق لوجه الله تعالى وهي التي إذا وجدت علم الثبات على الإيمان وهذه الثلاثة متفاوتة الرتب فرتب سبحانه وتعالى ذلك مقدما الأهم فالأهم والألزم فالألزم لأن الإيمان لازم للمكلف في كل آن والصلاة في أكثر الأوقات والنفقة في بعض الحالات فافهم ذاك والله يتولى هداك.
* (والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك وبالأخرة هم يوقنون) * عطف على الموصول الأول مفصولا وموصولا والمروي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أنهم مؤمنو أهل الكتاب وحيث إن المتبادر من العطف أن الإيمان بكل من المنزلين على طريق الاستقلال اختص ذلك بهم لأن إيمان غيرهم بما أنزل من قبل إنما هو على طريق الاجمال والتبع للإيمان بالقرآن لا سيما في مقام المدح، وقد دلت الآيات والأحاديث على أن لأهل الكتاب أجرين بواسطة ذلك وبهذا غايروا من قبلهم وقيل التغاير باعتبار أن الإيمان الأول بالعقل وهذا بالنقل أو بأن ذاك بالغيب وهذا بما عرفوه كما يعرفون أبناءهم فأولئك على هدى حينئذ إشارة إلى الطائفة الأولى لأن إيمانهم بمحض الهداية الربانية * (وأولئك هم المفلحون) * (البقرة: 5)