تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ١٠٥
للفصل مثلا نعم إن قدرت بالمؤلف من هذه الحروف كانت في حيز الرفع على ما مر وإن جعلت مقسما بها يكون كل كلمة منها منصوبا أو مجرورا على اللغتين في الله لافعلن وهل ذلك المجموع نحو * (آلم) * و * (حم) * (غافر: 1) أو للألف والحاء مثلا على طريق الرمان حلو حامض؟ خلاف والظاهر الأول وجوز بعضهم الرفع بالابتداء والخبر قسمي محذوفا وتصريح الرضى باختصاص ذلك فيما إذا كان المبتدأ صريحا في القسمية يجعله غير مرتضى، وجعل بعضهم النصب في البعض مخصوصا بما إذا لم يمنع مانع كما في * (ص والقرآن) * (ص: 1) فيتعين الجر للزوم المخالفة بين المتعاطفين واجتماع القسمين حينئذ وفيه ما تقدم فلا تغفل، وبقيت أقوال مبنية على أقوال لا أظنها تخفى عليك إن أحطت خبرا بما قدمناه لديك فتدبر، وفي كون هذه الفواتح آية خلاف فقال الكوفيون: * (آلم) * آية أينما وقعت وكذلك (آلمص) و (طسم) وأخواتهما و (طه) و (يس) و (حم) وأخواتها و (كهيعص) آية و (ح عسق) آيتان وأما (آلمر) وأخواتها الخمس فليست بآية وكذلك (طس) و (ص) و (ق) و (ن)، وقال البصريون: ليس شيء من ذلك آية وفي " المرشد " أن الفواتح في السور كلها آيات عند الكوفيين من غير تفرقة وليس بشيء كقول بعض * (آلم) * في آل عمران (1) ليست بآية.
* (ذالك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) * جملة مستأنفة وابتداء كلام أو متعلقة بما قبلها وفيه احتمالات أطالوا فيها وكتاب الله تعالى يحمل على أحسن المحامل وأبعدها من التكلف وأسوغها في لسان العرب وذلك إشارة إلى الكتاب الموعود به صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: * (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) * (المزمل: 5) كما قال الواحدي أو على لسان موسى وعيسى عليهما السلام لقوله تعالى: * (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) * (البقرة: 89) الآية ويؤيده ما روى عن كعب " عليكم بالقرآن فإنه فهم العقل ونور الحكمة وينابيع العلم وأحدث الكتب بالله عهدا "، وقال في التوراة " يا محمد إني منزل عليك توراة حديثة تفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا " كما قاله غير واحد أو إلى ما بين أيدينا والإشارة بذلك للتعظيم وتنزيل البعد الرتبي منزلة البعد الحقيقي كما في قوله تعالى: * (فذلكن الذي لمتنني فيه) * (يوسف: 32) كما اختاره في " المفتاح " أو لأنه لما نزل عن حضرة الربوبية وصار بحضرتنا بعد ومن أعطى غيره شيئا أو أوصله إليه أو لاحظ وصوله عبر عنه بذلك لأنه بانفصاله عنه بعيد أو في حكمه، وقد قيل: كل ما ليس في يديك بعيد.
ولما لم يتأت هذا المعنى في قوله تعالى: * (هذا كتاب أنزلناه) * (الأنعام: 92) لأنه إشارة إلى ما عنده سبحانه لم يأت بذلك مع بعد الدرجة وهذا الذكر حروف التهجي في الأول وهي تقطع بها الحروف وهو لا يكون إلا في حقنا وعدم ذكرها في الثاني فلذا اختلف المقامان وافترقت الإشارتان كما قاله السهيلي، وهو عند قوم تحقيق ويرشدك إلى ما فيه عندي نظر دقيق وأبعد بعضهم فوجه البعد بأن القرآن لفظ وهو من قبيل الأعراض السيالة الغير القارة فكل ما وجد منه اضمحل وتلاشى وصار منقضيا غائبا عن الحس وما هو كذلك في حكم البعيد، وقيل لأن صيغة البعيد والقريب قد يتعاقبان كقوله تعالى في قصة عيسى عليه السلام: * (ذلك نتلوه عليك) * (آل عمران: 58) ثم قال تعالى: * (إن هذا لهو القصص الحق) * (آل عمران: 62) وله نظائر في الكتاب الكريم ونقله الجرجاني عن طائفة وأنشدوا: أقول له والرمح يأطر متنه * تأمل خفافا إني أنا ذلكا وليس بنص لاحتمال أن يكون المراد إنني أنا ذلك الذي كنت تحدث عنه وتسمع به، وقول الإمام الرازي: إن ذلك للبعيد عرفا لا وضعا فحمله هنا على مقتضى الوضع اللغوي لا العرفي مخالف لما نفهمه من كتب أرباب العربية وفوق كل ذي علم عليم والقول بأن الإشارة إلى التوراة والإنجيل - كما نقل عن عكرمة - إن كان قد ورد فيه حديث صحيح قبلناه وتكلفنا له وإلا ضربنا به الحائط وما كل احتمال يليق، وأغرب ما رأيناه في توجيه الإشارة أنها إلى الصراط
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»