مستفاد من أول السورة إلى قوله: * (يوم الدين) * والثاني من قوله: * (إياك نعبد) * وما بعده وسلوك الصراط المستقيم من قوله: * (اهدنا) * الآية والاطلاع من قوله: * (أنعمت عليهم) * الخ وفيه وعد ووعيد فدخلا فيه والأمثال والقصص المقصود بها الاتعاظ وكذا الدعاء والثناء، وهذه جملة المعاني القرآنية إجمالا مطابقة والتزاما؛ وأبسط من هذا أن يقال إنها مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين.
الأول: علم الأصول ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاته وإليها الإشارة بقوله: * (رب العالمين الرحمن الرحيم) * ومعرفة النبوات وهي المرادة بقوله تعالى: * (أنعمت عليهم) * والمعاد المومي إليه بقوله تعالى: * (مالك يوم الدين) *.
الثاني: علم الفروع ورأسه العبادات وهو المراد بقوله: * (إياك نعبد) * وهي بدنية ومالية وهما مفتقران إلى أمور المعاش من المعاملات والمناكحات ولا بد لها من الحكومات فتمهدت الفروع على الأصول.
الثالث: علم ما به يحصل الكمال وهو علم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والسلوك لطريقة الاستقامة في منازل هاتيك الرتب العلية وإليه الإشارة بقوله: * (إياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم) *.
الرابع: علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة السعداء والأشقياء وما يتصل بها من الوعد والوعيد وهو المراد بقوله تعالى: * (أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * وإذا انبسط ذهنك أتيت بأبسط من ذلك، وهذان الوجهان يستدعيان حمل الكتاب على المعاني أو تقديرها في التركيب الإضافي، والوجه الأول يقتضيه ومن هذا رجحه البعض وإن كان أدق وأحلى لا لأنه يشكل عليهما ما ورد من أن الفاتحة تعدل ثلثي القرآن إذ يزيله إذا ثبت أن الاجمال لا يساوي التفصيل فزيادة مبانيه منزلة ثلث آخر من الثواب قاله الشهاب ثم قال: ومن العجب ما قيل هنا من أن ذلك لاشتمالها على دلالة التضمن والالتزام وهما ثلثا الدلالات انتهى. وأنا أقول الأعجب من هذا توجيهه رحمه الله مع ما رواه الديلمي في " الفردوس " عن أبي الدرداء " فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن ولو أن فاتحة الكتاب جعلت كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات " فإنه لا يتبادر منه إلا الفضل في الثواب فيعارض ظاهره ذلك الخبر على توجيهه وعلى توجيه صاحب القيل لا تعارض. نعم إنه بعيد ويمكن التوفيق بين الخبرين وبه يزول الإشكال بأن الأول كان أولا وتضاعف الثواب ثانيا ولا حجر على الرحمة الواسعة أو بأن اختلاف المقال لاختلاف الحال أو بأن ما يعدل الشيء كله يعدل ثلثيه أو بأن القرآن في أحد الخبرين أو فيهما بمعنى الصلاة مثله في قوله تعالى: * (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) * (الإسراء: 78) وذلك يختلف باختلاف مراتب الناس في قراءتهم وصلواتهم فليتدبر، وعلى العلات لا يقاسان بما قيل في وجه التسمية بذلك لأنها أفضل السور أو لأن حرمتها كحرمة القرآن كله أو لأن مفزع أهل الايمان إليها أو لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب ولا أعترض على البعض بعدم الاطراد لأن وجه التسمية لا يجب اطراده ولكني أفوض الأمر إليك وسلام الله تعالى عليك لا يقال: إذا كانت الفاتحة جامعة لمعاني الكتاب فلم سقط منها سبعة أحرف الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء؟ لأنا نقول لعل ذلك للإشارة إلى أن الكمال المعنوي لا يلزمه الكمال الصوري ولا ينقصه نقصانه إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وكانت سبعة موافقة لعدد الآي المشتمل على الكثير من الأسرار وكانت من الحروف الظلمانية التي لم توجد في المتشابه من أوائل السور ويجمعها بعد إسقاط المكرر - صراط على حق نمسكه - وهي النورانية المشتملة عليها بأسرها الفاتحة للإشارة إلى غلبة الجمال على الجلال المشعر بها تكرر ما يدل على الرحمة في الفاتحة وإنما لم يسقط السبعة الباقية من هذا النوع فتخلص النورانية ليعلم أن الأمر مشوب * (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) * (الأعراف: 99) وفي قوله تعالى: * (نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم) * (الحجر: 49، 50) إشارة وأي إشارة إلى ذلك لمن تأمل حال الجملتين على أن في كون النورانية - وهي أربعة عشر حرفا - مذكورة