تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٥
أن ليس المراد بالكتاب القدر المشترك الصادق على ما يقرأ في الصلاة حتى يعتبر في التسمية مبدئيتها له. وحكى المرسي أنها سميت بذلك لأنها أول سورة كتبت في اللوح ويحتاج إلى نقل وإن صححنا أن ترتيب القرآن الذي في مصاحفنا كما في اللوح فلربما كتب التالي ثم كتب المتلو وغلبة الظن أمر آخر. وثانيها: فاتحة القرآن لما قدمنا حذو القذة بالقذة وثالثها ورابعها: أم الكتاب وأم القرآن وحديث: " لا يقولن أحدكم أم الكتاب وليقل فاتحة الكتاب " لا أصل له بل قد ثبت في " الصحاح " تسميتها به كما لا يخفى على المتتبع، وسميت بذلك لأن الابتداء كتابة أو تلاوة أو نزولا على قول أو صلاة بها وما بعدها تال لها فهي كالأم التي يتكون الولد بعدها، ويقال أيضا للراية أم لتقدمها واتباع الجيش لها ومنه أم القرى أو لاشتمالها كما قال العلامة على مقاصد المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ومن التعبد بالأمر والنهي ومن الوعد والوعيد، أما الثناء فظاهر، وأما التعبد فإما من الحمد لله لأنه للتعليم فيقدر أمر يفيده والأمر الإيجابي يلزمه النهي عن الضد في الجملة ولا نرى فيه بأسا أو من * (اهدنا الصراط المستقيم) * إن أريد به ملة الإسلام أو من تقدير قولوا باسم الله ومن تأخير متعلقه، وإما من * (إياك نعبد) * فإنه إخبار عن تخصيصه بالعبادة وهي التحقق بالعبودية بارتسام ما أمر السيد أو نهى فيدل في الجملة على أنهم متعبدون، ولا يرد على المعتزلة عدم سبق أمر ونهي أصلا، ويجاب عندنا بعد تسليم العدم للأولية بأن رأس العبادة التوحيد وفي الصدر ما يرشد إليه لا سيما وقد سبق تكليفه صلى الله عليه وسلم بالتوحيد وتبليغ السورة وذلك يكفي، وأما الوعد والوعيد فمن قوله تعالى: * (أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) * أو من * (يوم الدين) * أي الجزاء، والمجزي أما ما يسر أو ما يضر وهما الثواب والعقاب وإنما كانت المقاصد هذه لأن بعثة الرسل وإنزال الكتب رحمة للعباد وإرشادا إلى ما يصلحهم معاشا ومعادا وذلك بمعرفة من يقدر على إيصال النعم إيجادا وإمدادا، ثم التوصل إليه بما يربط العتيد، ويجلب المزيد عملا واعتقادا والتنصل عما يفضي به إلى رجع المحصل ومنع المستحصل قلوبا وأجسادا والثناء فرع معرفة المثني عليه مع الاستحقاق وتدخل المعرفة بصفات الجلال والجمال، ومنها ما منه الإرسال والإنزال والتفاوت بين المطيع والمذنب فدخل الإيمان بالله تعالى وصفاته والنبوات والمعاد على الإجمال، والتعبد يتمكن به من التوصل والتنصل ويدخل فيه من وجه الإيمان بالنبوات وما يتعلق بها من الكتاب والملائكة إذ الأمر والنهي فرع ثبوت ذلك في الجملة، والوعد والوعيد يتضمنان الإيمان بالمعاد، ويبعثان على التعبد، والناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة والأكثرون بعثتهم الرغبة والرهبة، وأوسطهم الرجاء والخوف. والخواص - وقيل ما هم - الانس والهيبة فبالثلاثة تم الإرشاد إلى مصالح المعاش والمعاد ولا أحصر لك وجه الحصر بهذا فلمسلك الذهن اتساع ولك أن ترد الثلاثة إلى اثنين فتدرج الثناء في التعبد إذ لا حكم للعقل ولعله إنما جعله قسيما له تلميحا إلى أن شكر المنعم واجب عقلا مراعاة لمذهب الاعتزال ولم يبال البيضاوي بذلك فعبر بما عبر به من المقال. أو لاشتمالها على جمل معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء، والأول
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»