الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٣٢٣
5309 الثاني صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له قال وكل واحد من هذين النوعين الإيجاز والبلاغة بذاتها والأسلوب الغريب بذاته نوع إعجاز على التحقيق لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما إذ كل واحد خارج عن قدرتها مباين لفصاحتها وكلامها خلافا لمن زعم أن الإعجاز في مجموع البلاغة والأسلوب 5310 الوجه الثالث ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات وما لم يكن فوجد كما ورد 5311 الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الداثرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك فيورده صلى الله عليه وسلم على وجهه ويأتي به على نصه وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب قال فهذه الوجوه الأربعة من إعجازه بينه لا نزاع فيها ومن الوجوه في إعجازه غير ذلك أي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا على ذلك كقوله لليهود * (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا) * فما تمناه أحد منهم وهذا الوجه داخل في الوجه الثالث ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته وقد أسلم جماعة عند سماع آيات منه كما وقع لجبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور قال فلما بلغ هذه الآية * (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) * إلى قوله * (المصيطرون) * كاد قلبي أن يطير قال وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي وقد مات جماعة عند سماع آيات منه أفردوا بالتصنيف ثم قال ومن وجوه إعجازه كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه ومنها أن قارئه لا يمله وسامعه لا يمجه بل الإكباب على تلاوته يزيده
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»