مرة بجهلهم يقولون * (أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) * مع علمهم أن صاحبهم أمي وليس بحضرته من يملي أو يكتب في نحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز ثم قال وقد قلت في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس وهو صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه قال تعالى * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) * وقال * (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم) * إنتهى 5304 وقال ابن سراقة اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن فذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلها حكمة وصواب وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره فقال قوم هو الإيجاز مع البلاغة وقال آخرون هو البيان والفصاحة وقال آخرون هو الرصف والنظم وقال آخرون هو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم وجنس آخر متميز عن أجناس خطابهم حتى إن من اقتصر على معانيه وغير حروفه أذهب رونقه ومن اقتصر على حروفه وغير معانيه أبطل فائدته فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه وقال آخرون هو كون قارئه لا يكل وسامعه لا يمل وإن تكررت عليه تلاوته وقال آخرون هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية وقال آخرون هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع
(٣٢١)