الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٣٢٨
لغرضين أحدهما لفظي وهو المزاوجة لرؤوس الآي والآخر معنوي وهو أنه تعالى أراد أن يخبر عن قوة أنفس السحرة وإستطالتهم على موسى فجاء عنهم باللفظ أتم وأوفى منه في إسنادهم الفعل إليه ثم أورد سؤالا وهو إنا نعلم أن السحرة لم يكونوا أهل لسان فنذهب بهم هذا المذهب من صنعه الكلام وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون الخالية إنما هو معرب عن معانيهم وليس بحقيقة ألفاظهم ولهذا لا يشك في أن قوله تعالى * (قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) * أن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم الثامن 5319 قال البارزي في أول كتابه (أنوار التحصيل في أسرار التنزيل) اعلم أن المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض وكذلك كل واحد من جزأي الجملة قد يعبر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر ولا بد من استحضار معاني الجمل أو استحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ ثم استعمال أنسبها وأفصحها واستحضار هذا متعذر على البشر في أكثر الأحوال وذلك عتيد حاصل في علم الله تعالى فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه وإن كان مشتملا على الفصيح والأفصح والمليح والأملح ولذلك أمثلة منها قوله تعالى * (وجنى الجنتين دان) * لو قال مكانه (وثمر الجنتين قريب) لم يقم مقامه من جهة الجناس بين الجنى والجنتين ومن جهة أن الثمر لا يشعر بمصيره إلى حال يجني فيها ومن جهة مؤاخاة الفواصل ومنها قوله تعالى * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب) * أحسن من التعبير ب (تقرأ) لثقله بالهمزة ومنها * (لا ريب فيه) * أحسن من (لاشك فيه) لثقل الإدغام ولهذا كثر ذكر الريب ومنها * (ولا تهنوا) * أحسن من (ولا تضعفوا) لخفته و * (وهن العظم مني) * أحسن من (ضعف) لأن الفتحة أخف من الضمة ومنها * (آمن) * أخف من (صدق) ولذا كان ذكره أكثر من ذكر التصديق و * (آثرك) *
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»