الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٣١٩
لمعارضته لم يخف على أولى الألباب أن صارفا إلهيا صرفهم عن ذلك وأي إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزة في الظاهر عن معارضته مصروفة في الباطن عنها إنتهى 5301 وقال السكاكي في المفتاح اعلم أن إعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها وكالملاحة وكما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت ولا يدرك تحصيله لغير ذوي الفطرة السليمة إلا باتقان علمي المعاني والبيان والتمرين فيهما 5302 وقال أبو حيان التوحيدي سئل بندار الفارسي عن موضع الإعجاز من القرآن فقال هذه مسألة فيها حيف على المعنى وذلك أنه شبيه بقولك ما موضع الإنسان من الإنسان فليس للإنسان موضع من الإنسان بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء فيه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه ومعجزة لمحاوله وهدى لقائله وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده 5303 وقال الخطابي ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أن وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها وصغوا فيه إلى حكم الذوق قال والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في درجات البيان متفاوتة فمنهما البليغ الرصين الجزل ومنها الفصيح الغريب السهل ومنها الجائز الطلق الرسل وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود فالأول أعلاها والثاني أوسطها والثالث أدناها وأقربها فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة وأخذت من كل نوع شعبة فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين لأن العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الزعورة فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما عن الآخر فضيلة خص بها القرآن ليكون آية بينة لنبيه صلى الله عليه وسلم
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»