الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٣٢٧
على أسلوب مخصوص في الجزالة وبعضه على أسلوب يخالفه وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة فليس يشتمل على الغث والسمين ومسوق لمعنى واحد وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى وصرفهم عن الدنيا إلى الدين وكلام الآدمين تتطرق إليه هذه الاختلافات إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه وجد فيه اختلاف في منهاج النظم ثم اختلاف في درجات الفصاحة بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغث والسمين فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون فتارة يمدحون (الدنيا) وتارة يذمونها وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة وتارة يذمونها ويسمونها تهورا ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الاختلافات لأن منشأها إختلاف الأغراض والأحوال والإنسان تختلف أحواله فتساعده الفصاحة عند إنبساط الطبع وفرحه وتتعذر عليه عند الإنقباض وكذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرة ويميل عنه أخرى فيوجب ذلك اختلافا في كلامه بالضرورة فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة وهي مدة نزول القرآن فيتكلم على غرض واحد ومنهاج واحد ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بشرا تختلف أحواله فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه اختلافا كثيرا السابع 5318 قال القاضي فإن قيل هل تقولون إن غير القرآن من كلام الله معجز كالتوراة والإنجيل قلنا ليس شيء من ذلك بمعجز في النظم والتأليف وإن كان معجزا كالقرآن فيما يتضمن من الإخبار بالغيوب وإنما لم يكن معجزا لأن الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن ولأنا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه كما وقع في القرآن ولأن ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع فيه التفاضل الذي ينتهي إلى حد الإعجاز وقد ذكر ابن جني في الخاطريات في قوله * (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى) * أن العدول عن قوله (وما أن نلقي)
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»