وقال أبو عبيدة: أسروا: أظهروا، وهو من الأضداد، ثم بين تعالى الأمر الذي تناجوا به، وهو قول بعضهم لبعض على جهة التوبيخ بزعمهم: * (أفتأتون السحر) * المعنى:
أفتتبعون السحر وأنتم تبصرون، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يقول لهم وللناس جميعا:
قل * (ربي يعلم القول في السماء والأرض) * أي: يعلم أقوالكم هذه، وهو بالمرصاد في المجازاة عليها، ثم عدد سبحانه جميع ما قالته طوائفهم ووقع الإضراب بكل مقالة عن المتقدمة لها; ليبين اضطراب أمرهم فقال تعالى: * (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر) * والأضغاث: الأخلاط، ثم حكى سبحانه اقتراحهم، آية تضطرهم; كناقة صالح وغيرها، وقولهم: * (كما أرسل الأولون) * دال على معرفتهم بإتيان الرسل الأمم المتقدمة.
وقوله سبحانه: * (ما آمنت قبلهم) * فيه محذوف يدل عليه المعنى تقديره: والآية التي طلبوها عادتنا أن القوم إن كفروا بها عاجلناهم، وما آمنت قبلهم قرية من القرى التي نزلت بها هذه النازلة، أفهذه كانت تؤمن؟
وقوله: * (أهلكناها) * جملة في موضع الصفة ل * (قرية) * والجمل: إذا اتبعت النكرات; فهي صفات لها، وإذا اتبعت المعارف; فهي أحوال منها.
وقوله سبحانه: * (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * هذه الآية رد على من استبعد منهم أن يبعث الله بشرا رسولا و * (الذكر) * هو كل ما يأتي من تذكير الله عباده، فأهل القرآن أهل ذكر، وأما المحال على سؤالهم في هذه الآية فلا يصح أن يكونوا أهل القرآن في ذلك الوقت; لأنهم كانوا خصومهم، وإنما أحيلوا على سؤال أحبار أهل الكتاب من حيث كانوا موافقين لكفار قريش على ترك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. * (وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين - 8 - ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكناها المسرفين - 9 - لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون - 10 - وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين - 11 - فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون - 12 -) *