تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٨٩
ومعنى قوله (كذلك) الإشارة إلى أمر الحوت، وفتنتهم به، هذا على من وقف على (تأتيهم)، ومن وقف على (كذلك)، فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرعا، أي: فما أتى منها يوم لا يسبتون، فهو قليل، و (نبلوهم)، أي: نمتحنهم بفسقهم وعصيانهم، وقد تقدم في " البقرة " قصصهم.
وقوله سبحانه: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا).
قال جمهور المفسرين: إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق: فرقة عصت، وفرقة نهت، وجاهرت وتكلمت واعتزلت، وفرقة اعتزلت، ولم تعص ولم تنه، وأن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية، وطغيان العاصية وعتوها، قالت للناهية: (لم تعظون قوما)، يريدون: العاصية (الله مهلكهم أو معذبهم)، فقالت الناهية: موعظتنا معذرة إلى الله، أي: إقامة عذر، ومعنى (مهلكهم)، أي: في الدنيا، (أو معذبهم)، [أي]: في الآخرة، والضمير في قوله: (نسوا) للمنهيين، وهو ترك سمي نسيانا مبالغة، و " ما " في قوله: (ما ذكروا به) بمعنى الذي، و (السوء): لفظ عام في جميع المعاصي إلا أن الذي يختص هنا بحسب قصص الآية هو صيد الحوت، و (الذين ظلموا): هم العاصون، وقوله: (بعذاب بئيس) معناه: مؤلم موجع شديد، واختلف في الفرقة التي لم تعص ولم تنه، فقيل: نجت مع الناجين، وقيل: هلكت مع العاصين.
وقوله: (بما كانوا يفسقون)، أي: لأجل ذلك، وعقوبة عليه، والعتو الاستعصاء وقلة الطواعية.
وقوله سبحانه: (قلنا لهم كونوا)، يحتمل أن يكون قولا بلفظ من ملك أسمعهم، فكان أذهب في الإعراب والهول والإصغار، ويحتمل أن يكون عبارة عن القدرة المكونة لهم قردة، و (خاسئين): معناه مبعدين ف‍ " خاسئين " خبر بعد خبر، فهذا اختيار أبي الفتح، وضعف الصفة، فروي أن الشباب منهم مسخوا قردة، والرجال الكبار مسخوا خنازير.
وقوله سبحانه: (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) معنى هذا الآية: وإذ علم الله ليبعثن، وتقتضي قوة الكلام، أن ذلك العلم منه
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة