تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٤٥٧
وعليه، وخاطب الله العرب في هذه الآية بما تعرف، وذلك أنه كان من عادتها التيمن والتشاؤم بالطير في كونها سانحة وبارحة، وكثر ذلك حتى فعلته بالظباء وحيوان الفلا، وسمت ذلك كله تطيرا، وكانت تعتقد أن تلك الطيرة قاضية بما يلقى الإنسان من خير وشر، فأخبرهم الله تعالى في هذه الآية بأوجز لفظ، وأبلغ إشارة، أن جميع ما يلقى الإنسان من خير وشر قد سبق به القضاء، وألزم حظه وعمله وتكسبه في عنقه، وذلك في قوله عز وجل: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه)، فعبر عن الحظ والعمل، إذ هما متلازمان، بالطائر، قاله مجاهد وقتادة، بحسب معتقد العرب في التطير، (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا): هذا الكتاب هو عمل الإنسان وخطيئاته، (اقرأ كتابك) أي: يقال له:
اقرأ كتابك، وأسند الطبري عن الحسن، أنه قال: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يحفظ سيئاتك فأملل ما شئت وأقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج لك / يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) قد عدل والله فيك، من جعلك حسيب نفسك.
قال * ع *: فعلى هذه الألفاظ التي ذكر الحسن يكون الطائر ما يتحصل مع ابن آدم من عمله في قبره، فتأمل لفظه، وهذا قول ابن عباس، وقال قتادة في قوله: اقرأ كتابك:
إنه سيقرأ يومئذ من لم يكن يقرأ.
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة