الشيخ ابن أبي جمرة رحمه الله: قال بعض أهل التوفيق: إذا نزلت بي نازلة ما من أي نوع كانت، فألهمت فيها اللجأ، فلا أبالي بها، / واللجأ على وجوه، منها: الاشتغال بالذكر والتعبد وتفويض الأمر له عز وجل، لقوله تعالى على لسان نبيه: " من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين "، ومنها: الصدقة، ومنها: الدعاء، فكيف بالمجموع. انتهى.
وقوله سبحانه: (ثم تاب عليهم ليتوبوا) لما كان هذا القول في تعديد النعم، بدأ في ترتيبه بالجهة التي هي عن الله عز وجل، ليكون ذلك منها على تلقي النعمة من عنده لا رب غيره، ولو كان هذا القول في تعديد ذنب، لكان الابتداء بالجهة التي هي على المذنب، كما قال عز وجل: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) [الصف: 5] ليكون ذلك أشد تقريرا للذنب عليهم، وهذا من فصاحة القرآن وبديع نظمه ومعجز اتساقه.
وبيان هذه الآية ومواقع ألفاظها إنما يكمل مع مطالعة حديث الثلاثة الذين خلفوا في الكتب المذكورة، فانظره، وإنما عظم ذنبهم، واستحقوا عليه ذلك، لأن الشرع يطلبهم من الجد فيه بحسب منازلهم منه، وتقدمهم فيه، إذ هم أسوة وحجة للمنافقين، والطاعنين، إذ كان كعب من أهل العقبة، وصاحباه من أهل بدر، وفي هذا ما يقتضي أن الرجل العالم والمقتدى به أقل عذرا في السقوط من سواه، وكتب الأوزاعي رحمه الله إلى أبي جعفر المنصور في آخر رسالة: واعلم أن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تزيد حق الله عليك إلا عظما، ولا طاعته إلا وجوبا، ولا الناس فيما خالف ذلك منك إلا إنكارا، والسلام.
وقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) هذا الأمر بالكون مع الصادقين حسن بعد قصة الثلاثة حين نفعهم الصدق، وذهب بهم عن منازل المنافقين،