تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٤٧٩
حديث غيره): هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون داخلون في الخطاب معه، هذا هو الصحيح، لأن علة النهي، وهي سماع الخوض في آيات الله، تشملهم وإياه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم هو والمؤمنون أن ينابذوا الكفار بالقيام عنهم، إذا استهزءوا وخاضوا، ليتأدبوا بذلك، ويدعوا الخوض والاستهزاء، قلت: ويدل على دخول المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخطاب - قوله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) [النساء: 140]. انتهى.
والخوض: أصله في الماء، ثم يستعمل بعد في غمرات الأشياء التي هي مجاهل، تشبيها بغمرات الماء.
(وأما ينسينك): " إما ": شرط، وتلزمها النون الثقيلة في الأغلب، وقرأ ابن عامر وحده: " ينسينك " - بتشديد السين، وفتح النون -، والمعنى واحد إلا أن التشديد أكثر مبالغة، و (الذكرى) والذكر واحد في المعنى، ووصفهم ب‍ (الظالمين) متمكن، لأنهم وضعوا الشئ في غير موضعه، و (أعرض)، في هذه الآية: بمعنى المفارقة على حقيقة الإعراض، وأكمل وجوهه، ويدل على ذلك: (فلا تقعد).
وقوله سبحانه: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ)، و روي أنه لما نزلت: (فلا تقعدوا معهم) [النساء: 140] قال المؤمنون: إذا كنا لا نقرب المشركين، ولا نسمع أقوالهم، فلا يمكننا طواف ولا قضاء عبادة في الحرم، فنزلت لذلك: (وما على الذين يتقون...) الآية.
قال * ع *: فالإباحة في هذا هي في القدر الذي يحتاج إليه من التصرف بين المشركين في عبادة ونحوها، وقيل: إن هذه الآية الأخيرة ليست إباحة بوجه، وإنما معناها: لا تقعدوا معهم، ولا تقربوهم حتى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم، وليس نهيكم عن القعود، لأن عليكم شيئا من حسابهم، وإنما هو ذكرى لكم، ويحتمل المعنى: ولكن ذكرى لعلهم إذا جانبتموهم، كان يتقون بالإمساك عن الاستهزاء، ويحتمل المعنى: ولكن
(٤٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 484 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة