همزته هاء، كما قالوا: أرقت الماء، وهرقته، واستحسنه الزجاج.
وقوله سبحانه: (فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق): المعنى، عند الجمهور: إن اخترت أن تحكم، فاحكم بينهم بما أنزل الله، وليست هذه الآية بناسخة لقوله: (أو أعرض عنهم) [المائدة: 42].
ثم حذر الله تعالى نبيه - عليه السلام - من اتباع أهوائهم.
وقوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)، أي: لكل أمة، قاله الجمهور، وهذا عندهم في الأحكام، وأما في المعتقدات، فالدين واحد لجميع العالم، ويحتمل أن يكون المراد الأنبياء، لا سيما وقد تقدم ذكرهم، وذكر ما أنزل عليهم، وتجئ الآية، مع هذا الاحتمال تنبيها لنبينا محمد - عليه السلام -، أي: فاحفظ شرعتك ومنهاجك، لئلا تستزلك اليهود، أو غيرهم في شئ منه، وأكثر المتأولين على أن الشرعة والمنهاج بمعنى واحد، وهي الطريق، وقال ابن عباس وغيره: (شرعة ومنهاجا): سبيلا وسنة، ثم أخبر سبحانه، أنه لو شاء، لجعل الناس أمة واحدة، ولكنه لم يشأ، لأنه أراد اختبارهم وابتلاءهم فيما آتاهم من الكتب والشرائع، كذا قال ابن جريج وغيره.
ثم أمر سبحانه باستباق الخيرات في امتثال الأوامر، وختم سبحانه بالموعظة والتذكير بالمعاد، فقال: (إلى الله مرجعكم جميعا)، والمعنى: فالبدار البدار.
وقوله سبحانه: (فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)، معناه: في الثواب والعقاب، فتخبرون به إخبار إيقاع، وهذه الآية بارعة الفصاحة، جمعت المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، وكل كتاب الله كذلك، إلا أنا بقصور أفهامنا يبين لنا في بعض أكثر مما يبين لنا في بعض.
وقوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم...) الآية: الهوى مقصور يجمع على أهواء، والهواء ممدود يجمع على أهوية، ثم حذر تعالى نبيه - عليه السلام - من اليهود، أن يفتنوه، بأن يصرفوه عن شئ مما أنزل الله عليه من الأحكام،