تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٣٨٥
يحكمونك) المعنى: وكيف يحكمونك بنية صادقة، وهم قد خالفوا حكم التوراة التي يصدقون بها، وتولوا عن حكم الله فيها، فأنت الذي لا يؤمنون بك - أحرى بأن يخالفوا حكمك، وهذا بين أنهم لا يحكمونه - عليه السلام - إلا رغبة في ميله إلى أهوائهم.
وقوله سبحانه: (من بعد ذلك)، أي: من بعد كون حكم الله في التوراة في الرجم وما أشبهه.
وقوله تعالى: (وما أولئك بالمؤمنين) يعني: بالتوراة وبموسى.
(إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (44)) وقوله سبحانه: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى)، أي: إرشاد في المعتقد والشرائع، والنور: ما يستضاء به من أوامرها ونواهيها، و (النبيون الذين أسلموا): هم من بعث من لدن موسى بن عمران إلى مدة نبينا محمد - عليه السلام -، وأسلموا: معناه أخلصوا وجوههم ومقاصدهم لله سبحانه، وقوله: (للذين هادوا): متعلق ب‍ (يحكم) أي:
يحكمون بمقتضى التوراة لبني إسرائيل وعليهم، (والربانيون): عطف على النبيين، أي:
ويحكم بها الربانيون، وهم العلماء، وقد تقدم تفسير الرباني، والأحبار أيضا: العلماء، واحدهم: حبر - بكسر الحاء، وفتحها -، وكثر استعمال الفتح، فرقا بينه وبين " الحبر " الذي يكتب به، وإنما اللفظ عام في كل حبر مستقيم فيما مضى من الزمان قبل مبعث نبينا محمد - عليه السلام -.
وقوله سبحانه: (بما استحفظوا)، أي: بسبب استحفاظ الله تعالى إياهم أمر التوراة، وأخذه العهد عليهم، في العمل والقول بها، وعرفهم ما فيها، فصاروا شهداء عليه، وهؤلاء ضيعوا لما استحفظوا، حتى تبدلت التوراة، والقرآن بخلاف هذا، لقوله تعالى: (وإنا له لحافظون) [الحجر: 9].
وقوله تعالى: (فلا تخشوا الناس واخشون): حكاية لما قيل لعلماء بني إسرائيل.
وقوله: (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا): نهي عن جميع المكاسب الخبيثة بالعلم والتحيل للدنيا بالدين، وهذا المعنى بعينه يتناول علماء هذه الأمة وحكامها، ويحتمل أن يكون قوله: (فلا تخشوا الناس...) إلى آخر الآية - خطابا لأمة نبينا محمد - عليه السلام -.
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة