تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٣٨٣
وقوله تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر...) الآية: تسلية لنبيه - عليه السلام - وتقوية لنفسه، بسبب ما كان يلقى من طوائف المنافقين واليهود، والمعنى: قد وعدناك النصر والظهور عليهم، فلا يحزنك ما يقع منهم، ومعنى المسارعة في الكفر: البدار إلى نصره، والسعي في كيد الإسلام، وإطفاء نوره، قال مجاهد وغيره:
قوله تعالى: (من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) يراد به المنافقون /.
وقوله: (سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين): يراد به اليهود، ويحتمل أن يراد به اليهود مع المنافقين، لأن جميعهم يسمع الكذب، بعضهم من بعض، ويقبلونه، ولذلك جاءت عبارة سماعهم في صيغة المبالغة، إذ المراد أنهم يقبلون ويستزيدون من ذلك.
وقوله سبحانه: (سماعون لقوم آخرين): يحتمل أن يريد: يسمعون منهم، وذكر الطبري عن جابر، أن المراد بالقوم الآخرين يهود فدك، وقيل: يهود خيبر، ويحتمل أن يكون معنى (سماعون لقوم آخرين) بمعنى: جواسيس مسترقين الكلام، لينقلوه لقوم آخرين، وهذا مما يمكن أن يتصف به المنافقون ويهود المدينة، قلت: وهذا هو الذي نص عليه ابن إسحاق في السير.
قال * ع *: وقيل لسفيان بن عيينة: هل جرى للجاسوس ذكر في كتاب الله عز وجل؟ فقال: نعم، وتلا هذه الآية: (سماعون لقوم آخرين).
وقوله سبحانه: (يحرفون الكلم من بعد مواضعه): هذه صفة اليهود في معنى ما حرفوه من التوراة، وفيما يحرفونه من الأقوال عند كذبهم (من بعد مواضعه)، أي: من بعد أن وضع مواضعه، وقصدت به وجوهه القويمة، يقولون إن أوتيتم هذا، فخذوه، روي أن يهود فدك قالوا ليهود المدينة: استفتوا محمدا، فإن أفتاكم بما نحن عليه من الجلد والتجبية، فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم، فاحذروا الرجم، قاله الشعبي وغيره وقيل غير هذا من وقائعهم، فالإشارة ب‍ (هذا) إلى التحميم والجلد في الزنا، على قول، ثم قال
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة