تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٩٨
الثانية: لو تميزوا من الكفار؛ وهذا معنى مغاير للأول مغايرة ظاهرة. و * (ءان) *: بدل اشتمال من رجال وما بعده. وقيل: بدل من الضمير في * (لم تعلموهم) *، أي لم تعلموا وطأتهم، أي أنه وطء مؤمنين. وهذا فيه بعد. والوطء: الدوس، وعبر به عن الإهلاك بالسيف وغيره. قال الشاعر:
* ووطئتنا وطأ على حنق * وطء المقيد ثابت الهرم * وفي الحديث: (اللهم اشدد وطأتك على مضر). و * (لم تعلموهم) *: صفة لرجال ونساء غلب فيها المذكر؛ والمعنى: لم تعرفوا أعيانهم وأنهم مؤمنون. وقال ابن زيد: المعرة: المأثم. وقال ابن إسحاق: الدية. وقال ابن عطية: وهذا ضعيف، لأنه لا إثم ولا دية في قتل مؤمن مستور الإيمان بين أهل الحرب. وقال الطبري: هي الكفارة. وقال القاضي منذر بن سعيد: المعرة: أن يعنفهم الكفار، ويقولون قتلوا أهل دينهم. وقيل: الملامة وتألم النفس منه في باقي الزمن. ولفق الزمخشري من هذه الأقوال سؤالا وجوابا على عادته في تلفق كلامه من أقوالهم وإيهامه أنها سؤالات وأجوبة له فقال: فإن قلت: أي معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون؟ قلت: يصيبهم وجوب الدية والكفارة، وسوء مقالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم ما فعلوا بنا من غير تمييز، والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير. انتهى.
* (بغير علم) *: أخبار عن الصحابة وعن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية والامتناع من التعدي حتى أنهم لو أصابوا من ذلك أحدا لكان من غير قصد، كقول النملة عن جند سليمان: * (وهم لا يشعرون) *. وبغير علم متعلق بأن تطؤهم. وقيل: متعلق بقوله: * (فتصيبكم منهم معرة) * من الذين بعدكم ممن يعتب عليكم. وقرأ الجمهور: لو تزيلوا؛ وابن أبي عبلة، وابن مقسم، وأبو حيوة، وابن عون: لو تزايلوا، على وزن تفاعلوا، ليدخل متعلق بمحذوف دل عليه المعنى، أي كان انتفاء التسليط على أهل مكة، وانتفاء العذاب. * (ليدخل الله فى رحمته من يشاء) *: وهذا المحذوف هو مفهوم من جواب لو، ومعنى تزيلوا: لو ذهبوا عن مكة، أي لو تزيل المؤمنون من الكفار وتفرقوا منهم، ويجوز أن يكون الضمير للمؤمنين والكفار، أي لو افترق بعضهم من بعض. * (إذ جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) *: إذ معمول لعذبنا، أو لو صدوكم، أو لا ذكر مضمرة. والحمية: الأنفة، يقال: حميت عن كذا حمية، إذا أنفت عنه وداخلك عار وأنفة لفعله، قال المتلمس:
* إلا أنني منهم وعرضي عرضهم * كذا الرأس يحمي أنفه أن يهشما وقال الزهري: حميتهم: أنفتهم عن الإقرار لرسول الله صلى الله عليه وسلم) بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم، والذي امتنع من ذلك هو سهيل بن عمرو. وقال ابن بحر: حميتهم: عصبيتهم لآلهتهم، والأنفة: أن يعبدوا وغيرها. وقيل: قتلوا آباءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا، واللات والعزى لا يدخلها أبدا؛ وكانت حمية جاهلية لأنها بغير حجة وفي غير موضعها، وإنما ذلك محض تعصب لأنه صلى الله عليه وسلم) إنما جاء معظما للبيت لا يريد حربا، فهم في ذلك كما قال الشاعر في حمية الجاهلية:
* وهل أنا إلا من غزية إن غوت * غوين وإن ترشد غزية أرشد * وحمية: بدل من الحمية والسكينة الوقار والاطمئنان، فتوقروا وحلموا؛ و * (كلمة التقوى) *: لا إله إلا الله. روي
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»